(ف374) هل يجوز الاستفادة من فوائد البنوك الربوية في مصارف معينة  كضرائب العقارات أو غيرها من الضرائب الموجودة في هذه البلاد؟

أولا: تكلمنا في فتاوى سابقة عن حكم الفوائد البنكية في دار الكفر، ويتلخص ما ذكرناه في الآتي:
١- ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وأكثر الحنابلة إلى منع الزيادة على المال المودع في البنوك، باعتبار أنه مال قرض للبنك، والقاعدة عندهم أن كل قرض جر نفعا فهو ربا.
فالعقد عندهم بهذا الوصف باطل، وكل ما ترتب عليه فهو باطل، وأكل مال بغير وجه حق، ويستوي في ذلك عندهم أن يقع ذلك في دار الإسلام أو دار الكفر.
٢- ذهب الأحناف إلا أبا يوسف وبعض الحنابلة ومنهم ابن تيمية الجد والحفيد ونقله ابن القيم وابن مفلح وجها في المذهب، إلى أن المعاملات المالية تتأثر بحكم الدار، فما لا يجوز في دار الإسلام قد يجوز في دار الكفر، ومن ذلك الدرهم بالدرهمين، فيجوز الإيداع في البنوك بالزيادة على رأس المال ما دامت المعاملة في دار الكفر، وبين مسلم وغير مسلم سواء كان فردًا أو جهة مالية.
والمال المكتسب هنا مال ليس ربويا، وإن تحصل بعقد القرض عندهم لاختلاف الحكم باختلاف الدار.
٣- وذهب البعض إلى أن صورة الوديعة البنكية تختلف عن القرض، سواء كانت في دولة إسلامية أو غير إسلامية؛ وذلك لأن الوديعة تفارق القرض في الآتي:
– القرض يكون بطلب المقترض، أما الوديعة فتكون بطلب المودع، فلا يصح اعتبار البنك مقترضًا؛ لأنه لم يسع ولم يطلب أن يقترض، فهي هنا تشبه الوكالة.
– القرض له أجل محدود مضروب بين المقرض والمقترض، ولا يطالب المقترض قضاء بالسداد قبل الموعد، بل أجاز له بعض الفقهاء إن أدى قبل الموعد أن يدفع أقل مما أخذ على قاعدة (ضع وتعجل)، على حين أن الوديعة يستطيع المودع أن يستردها في أي وقت كاملة غير منقوصة، فهي هنا تشبه الأمانة.
– القرض لا يأخذ عليه المقترض أجرة حفظه لصاحبه، على حين أنه يجوز للبنك أن يطلب رسوما لحفظ الودائع.
– الأصل في القرض هو التصدق على المقترض بالتوسعة عليه، فهو باب من أبواب الرفق، أما عقد الوديعة فهو عقد يجمع بين الأمانة والوكالة والمضاربة.
ورتب هؤلاء على ذلك الاختلاف في الصورة اختلافًا في الحكم، ومفاده جواز الزيادة في رد مال الوديعة باعتبار أن البنك كان وكيلًا في استثمارها، وأن الزيادة هي زيادة كسب المضاربة، ومال المضاربة حلال في أصله.
٤- وذهب كذلك بعض المعاصرين إلى تصنيف مال الوديعة على أنه مال قرض، ولكنهم قالوا: إن رد مال القرض يكون برد قيمته لا برد عينه، وذلك أن عامل التضخم يؤثر سلبًا في القيمة الشرائية للمال، وقد نص القرآن على رد رأس المال لا عدده: ﴿‌وَإِنْ ‌تُبْتُمْ ‌فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ [البقرة: 279]. فنص على الرأس ولم يقل: ما أقرضتم.
وحساب رأس المال يكون بحساب قيمة التضخم مضافة لأصله.
وعلى هذا تكون الزيادة على الوديعة هي فرق نسبة التضخم.
ولكل فريق أدلته وتوصيفه.
والذي نراه ونفتي به: أن المعاملات المالية تختلف بين دار الإسلام ودار الكفر، وأن الفوائد التي تقدمها البنوك في بلاد الغرب لا حرمة فيها، ويجوز للمسلم أن يفيد منها في كل باب يراه، وذلك على الآراء الثلاثة الأخيرة.
وأما من تمسك بالرأي الأول فلا يجوز له أخذ الزيادة لنفسه ولا لغيره، ولا لاستعمال حاجته أو لدفع غرامة أو ضريبة؛ لأن العقد الذي يتملك به الزيادة باطل في الأصل، ومال الزيادة ربا محرم، لا يحل إلا لضرورة، ولا ضرورة في دفع الضرائب والغرامات.
المفتي: د خالد نصر