للإجابة عن هذا السؤال نحتاج لبعض المقدمات:
أولا: كلمة (عيد): العيد في اللغة كل ما يقع به اجتماع أو مناسبة على وجه معتاد؛ فيقع به الاجتماع يعني أن يكون عامًّا، والمناسبة تشمل المواسم الخاصة.
والوجه المعتاد: أي أنه لا بد أن يتكرر مع الزمن.
والتكرار ربما يكون أسبوعيًّا كالجمعة، أو شهريًّا كالبدر، أو سنويًّا كيوم الفطر والأضحى، وأول السنة الهجرية، ومولده الشريف، وغيرها مما لا يعود في العام الواحد إلا مرة.
قال ابن الأعرابي: (سمي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد). لسان العرب.
وقال ابن منظور: ( والعيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود). لسان العرب.
بل إن الأزهري عد منه مناسبات السرور ومناسبات الحزن فقال: (والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن). تهذيب اللغة.
وقال ابن تيمية: (العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدًا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا منها يوم عائد كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات). اقتضاء الصراط المستقيم.
والعيد في الاصطلاح: ونقصد بالاصطلاح هنا هو المصطلح الفقهي التعبدي، فيكون العيد هو: زمن مخصوص يفرح فيه المسلم بتمام عبادته، خص بمناسك على جهة العبادة والطاعة.
ثانيا: وردت كلمة عيد في القرآن والسنة بمعان متعددة:
– ففي القرآن نجد قوله تعالى: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ [المائدة: 114]، فهنا تحتمل العيد بمعنى اليوم الذي نحتفل فيه، وتحتمل معنى اجتماعنا ومجمعنا كما ذهب غير واحد من المفسرين.
– وفي السنة يأتي العيد للإشارة إلى الزمان:
كقول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا».
– ويأتي العيد للإشارة إلى المكان كما في قوله تعالى: «لا تجعلوا قبري عيدا».
– ويأتي للإشارة إلى الفعل كما في قول ابن عباس: “شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كان يصلي قبل الخطبة”. وقصده هنا أعمال العيد.
– ويأتي للإشارة لطريقة الاحتفال كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا، وإن هذا عيدنا». أي وهذه طريقتنا في التعييد؛ لأن أبا بكر كان يعلم يقينًا أن اليوم عيد.
وعلى ذلك فلفظ العيد بطبيعة الاستعمال اللغوي والسماعي يحتمل العيد بمعناه الديني ويحتمل العيد بمعناه العاداتي.
ثالثا: هناك فرق بَيِّنٌ بَيْنَ العبادة والعادة:
فعلى حين أن العبادة هي كل ما شرعه الله مما يحبه ويرضاه وطلب منا أن نتوجه به إليه، فإن العادة هي ما ارتضاه الناس في حياتهم.
ولكن هناك فرق بَيِّنٌ بَيْنَ العبادة والعادة وهو أن العبادة قائمة على التضييق والحصر، والعادة قائمة على التوسعة والإباحة، وهذا يلزم أن يكون للعبادة دليل مثبت، ويكون على العادة دليل حاظر، وإلا فبغياب الدليل المثبت لا عبادة، وبغياب الدليل الحاظر تكون العادة.
فلا يسأل المتعود عن دليل تعوده، ولكن تقع مؤونة الدليل على من يريد أن يمنعه من تعوده.
فنحن لا نحتاج لدليل لجعل الإجازة يومًا معينًا في الأسبوع، ولا بجعل إجازة الطلاب في الصيف دون الشتاء، ولا نحتاج لدليل لتحية الرجال بالمصافحة أو بالتربيت على الأكتاف وما إلى ذلك؛ لأنها كلها من أعمال العادة ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب.
ومما سبق يظهر لنا أن الأصل في الاحتفالات بأيام أخرى غير يومي عيد الفطر والأضحى المباركين، الجواز حتى وإن سميناها أعيادا بمفهوم العادة وليس العبادة، وذلك ألا نرتب على ما يكون فيها ثوابًا معينا لفاعل، أو عقابًا معينًا لتارك.
وذلك للآتي:
١- الأصل في العادات الإباحة إلا ما حظره الدليل، والدليل لم يحظر تسمية الاحتفالات الاجتماعية بالأعياد.
٢- قوله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر». لأن هذه الأيام كانت تعظم عندهم في الجاهلية، وفيها تعظيم الآلهة بالزيارة والقربات، فنهاهم النبي عن الاستمرار في الاحتفال بهما، بما كان من أعياد الإسلام الدينية.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبالغ في مخاصمة مناسك الجاهلية لقرب عهد المسلمين بالجاهلية.
٣- أن النصوص القرآنية جاءت بالتذكير بأيام معينة وهي تتكرر مع العام:
فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 123-124]. وإذ هنا منصوبة بفعل مقدر هو: (واذكر). وذكرى بدر عائدة.
ومثله: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: 25] أي: واذكروا يوم حنين، وهو أيضا يوم عائد.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5] وهي الأوقات المميزة في السنة مما يعود بالعود.
٤- احتفاء المسلمين بانتصار العرب على الفرس في وقعة ذي قار:
وعد ذلك من أيام الفرح والسرور، وقد ورد حديث ضعيف في ذلك، ذكره غير واحد من كتب التاريخ، ومنه ابن الأثير في الكامل أن النبي صلى الله عليه وسلم مجد هذا اليوم وقال: «هذا أول يوم انتصف العرب فيه من العجم».
٥- نحن ندبنا لشكر نعمة الله بتمام نصره وفتحه:
قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1-3].
ولا شك أن أيام الاستقلال عن المستعمر أيام نصر يندب فيها شكر الناصر والواهب، وإظهار الفرحة والسرور من شكر المنعم لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].
وعلى ذلك فالاحتفال بالأعياد الوطنية وأعياد النصر على العدو كيوم السادس من أكتوبر، أو يوم معركة الكرامة، أو يوم معركة تل جنين، أو تل النيرب، أو أيام استقلال الدول من المباحات الأصلية؛ لأنها من قبيل العادة، ولا عبادة مخصوصة فيها، ولا يترتب عليها ثواب معين ولا عقاب معين، وليست من التشبه بالكفار، إذ لها سوابق في التاريخ الإسلامي، وصارت جزءا من تراثنا جيلا بعد جيل، ولا ينظر المحتفل فيه لتقليد كافر أو غيره، والعادة إذا استقرت بين المسلمين ولم تكن تخالف الشريعة في أصلها فلا حرج أن يكون غيرنا ممن يفعلها، كما مثلنا بالإجازة الأسبوعية أو السنوية، أو تغيير الساعة بين الشتاء والصيف مراعاة لضوء الشمس، فكل هذا من العادات المباحة.
المفتي: د خالد نصر
أولا: كلمة (عيد): العيد في اللغة كل ما يقع به اجتماع أو مناسبة على وجه معتاد؛ فيقع به الاجتماع يعني أن يكون عامًّا، والمناسبة تشمل المواسم الخاصة.
والوجه المعتاد: أي أنه لا بد أن يتكرر مع الزمن.
والتكرار ربما يكون أسبوعيًّا كالجمعة، أو شهريًّا كالبدر، أو سنويًّا كيوم الفطر والأضحى، وأول السنة الهجرية، ومولده الشريف، وغيرها مما لا يعود في العام الواحد إلا مرة.
قال ابن الأعرابي: (سمي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد). لسان العرب.
وقال ابن منظور: ( والعيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود). لسان العرب.
بل إن الأزهري عد منه مناسبات السرور ومناسبات الحزن فقال: (والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن). تهذيب اللغة.
وقال ابن تيمية: (العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدًا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا منها يوم عائد كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات). اقتضاء الصراط المستقيم.
والعيد في الاصطلاح: ونقصد بالاصطلاح هنا هو المصطلح الفقهي التعبدي، فيكون العيد هو: زمن مخصوص يفرح فيه المسلم بتمام عبادته، خص بمناسك على جهة العبادة والطاعة.
ثانيا: وردت كلمة عيد في القرآن والسنة بمعان متعددة:
– ففي القرآن نجد قوله تعالى: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ [المائدة: 114]، فهنا تحتمل العيد بمعنى اليوم الذي نحتفل فيه، وتحتمل معنى اجتماعنا ومجمعنا كما ذهب غير واحد من المفسرين.
– وفي السنة يأتي العيد للإشارة إلى الزمان:
كقول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا».
– ويأتي العيد للإشارة إلى المكان كما في قوله تعالى: «لا تجعلوا قبري عيدا».
– ويأتي للإشارة إلى الفعل كما في قول ابن عباس: “شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كان يصلي قبل الخطبة”. وقصده هنا أعمال العيد.
– ويأتي للإشارة لطريقة الاحتفال كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا، وإن هذا عيدنا». أي وهذه طريقتنا في التعييد؛ لأن أبا بكر كان يعلم يقينًا أن اليوم عيد.
وعلى ذلك فلفظ العيد بطبيعة الاستعمال اللغوي والسماعي يحتمل العيد بمعناه الديني ويحتمل العيد بمعناه العاداتي.
ثالثا: هناك فرق بَيِّنٌ بَيْنَ العبادة والعادة:
فعلى حين أن العبادة هي كل ما شرعه الله مما يحبه ويرضاه وطلب منا أن نتوجه به إليه، فإن العادة هي ما ارتضاه الناس في حياتهم.
ولكن هناك فرق بَيِّنٌ بَيْنَ العبادة والعادة وهو أن العبادة قائمة على التضييق والحصر، والعادة قائمة على التوسعة والإباحة، وهذا يلزم أن يكون للعبادة دليل مثبت، ويكون على العادة دليل حاظر، وإلا فبغياب الدليل المثبت لا عبادة، وبغياب الدليل الحاظر تكون العادة.
فلا يسأل المتعود عن دليل تعوده، ولكن تقع مؤونة الدليل على من يريد أن يمنعه من تعوده.
فنحن لا نحتاج لدليل لجعل الإجازة يومًا معينًا في الأسبوع، ولا بجعل إجازة الطلاب في الصيف دون الشتاء، ولا نحتاج لدليل لتحية الرجال بالمصافحة أو بالتربيت على الأكتاف وما إلى ذلك؛ لأنها كلها من أعمال العادة ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب.
ومما سبق يظهر لنا أن الأصل في الاحتفالات بأيام أخرى غير يومي عيد الفطر والأضحى المباركين، الجواز حتى وإن سميناها أعيادا بمفهوم العادة وليس العبادة، وذلك ألا نرتب على ما يكون فيها ثوابًا معينا لفاعل، أو عقابًا معينًا لتارك.
وذلك للآتي:
١- الأصل في العادات الإباحة إلا ما حظره الدليل، والدليل لم يحظر تسمية الاحتفالات الاجتماعية بالأعياد.
٢- قوله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر». لأن هذه الأيام كانت تعظم عندهم في الجاهلية، وفيها تعظيم الآلهة بالزيارة والقربات، فنهاهم النبي عن الاستمرار في الاحتفال بهما، بما كان من أعياد الإسلام الدينية.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبالغ في مخاصمة مناسك الجاهلية لقرب عهد المسلمين بالجاهلية.
٣- أن النصوص القرآنية جاءت بالتذكير بأيام معينة وهي تتكرر مع العام:
فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 123-124]. وإذ هنا منصوبة بفعل مقدر هو: (واذكر). وذكرى بدر عائدة.
ومثله: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: 25] أي: واذكروا يوم حنين، وهو أيضا يوم عائد.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5] وهي الأوقات المميزة في السنة مما يعود بالعود.
٤- احتفاء المسلمين بانتصار العرب على الفرس في وقعة ذي قار:
وعد ذلك من أيام الفرح والسرور، وقد ورد حديث ضعيف في ذلك، ذكره غير واحد من كتب التاريخ، ومنه ابن الأثير في الكامل أن النبي صلى الله عليه وسلم مجد هذا اليوم وقال: «هذا أول يوم انتصف العرب فيه من العجم».
٥- نحن ندبنا لشكر نعمة الله بتمام نصره وفتحه:
قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1-3].
ولا شك أن أيام الاستقلال عن المستعمر أيام نصر يندب فيها شكر الناصر والواهب، وإظهار الفرحة والسرور من شكر المنعم لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].
وعلى ذلك فالاحتفال بالأعياد الوطنية وأعياد النصر على العدو كيوم السادس من أكتوبر، أو يوم معركة الكرامة، أو يوم معركة تل جنين، أو تل النيرب، أو أيام استقلال الدول من المباحات الأصلية؛ لأنها من قبيل العادة، ولا عبادة مخصوصة فيها، ولا يترتب عليها ثواب معين ولا عقاب معين، وليست من التشبه بالكفار، إذ لها سوابق في التاريخ الإسلامي، وصارت جزءا من تراثنا جيلا بعد جيل، ولا ينظر المحتفل فيه لتقليد كافر أو غيره، والعادة إذا استقرت بين المسلمين ولم تكن تخالف الشريعة في أصلها فلا حرج أن يكون غيرنا ممن يفعلها، كما مثلنا بالإجازة الأسبوعية أو السنوية، أو تغيير الساعة بين الشتاء والصيف مراعاة لضوء الشمس، فكل هذا من العادات المباحة.
المفتي: د خالد نصر