(ف380) أحد الإخوة يريد إقراض أحد المساجد قرضًا حسنًا لدفع جزء من قرض المسجد المستدان من أحد البنوك لمدة سنتين. فهل يجب على الأخ دفع زكاة على ذلك المبلغ؟ وهل هناك تفصيل بالموضوع على المذاهب الأربعة؟

أولا: نبين أن كلمة (قرض حسن) هي مصطلح قرآني، والمقصود به الإنفاق في سبيل الله تعالى، في أبواب الخير كالجهاد والصدقة وعمارة الأرض لخيري الدنيا والدين.
ولم تأت كلمة (قرض حسن) في القرآن بمعنى القرض الذي لا ينتفع منه صاحبه.
ولكن جاء في السنة أن ثواب القرض أكثر من ثواب الصدقة يوم القيامة، وذلك كما في حديث أنس عند ابن ماجه والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ».
ومثله حديث ابن مسعود عند ابن ماجه أيضا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً».
فقصر البعض الحسن على نوع معين من القرض فيه نظر.
ثانيا: بالنسبة لزكاة القرض، فإن كلمة الفقهاء افترقت فيمن يجب عليه زكاة القرض، وهذا تفصيل كلامهم:
١- ذهب الجمهور من المذاهب الأربعة إلى أن زكاة القرض تلزم المقرض؛ لأنه صاحب المال على الحقيقة، وملك المقترض للمال يكون على سبيل العارية.
ولكنهم فرقوا في الأحكام بين أنواع من القروض:
– القرض لمقر قادر على السداد.
– القرض لمقر معسر.
– القرض لجاحد ولا بينة عليه.
– القرض العاجل.
– القرض المؤجل.
فأما القرض لمقر قادر على السداد، فإن كان عاجلا، بمعنى أنه يسدده في خلال الحول، فزكاته على المقرض.
وأما القرض لمقر ولكن القرض مؤجل سداده بعد سنين، فقد اختلف الفقهاء الأربعة في طريقة تزكيته، وإن اتفقوا على وجوب الزكاة على المقرض.
فذهب الأحناف والحنابلة إلى أن المقرض يزكيه عن كل السنين بعد قبضه.
وذهب المالكية إلى أنه يزكيه بعض قبضه ولكنه لعام واحد.
وذهب الشافعية إلى أنه يزكيه في كل عام.
وأما القرض لمعسر أو جاحد فقد اختلف فيه الفقهاء الأربعة أيضا.
فذهب الأحناف، وهو رواية عند الحنابلة، ورواية عند الشافعية، ولكنها بمقابل الأظهر، أنه لا زكاة في هذا المال ؛ لأنه في حكم العدم أو المال المغتصب.حتى لو قبضه بعد زمن فيستأنف به حولا جديدا.
وذهب المالكية إلى مثل ذلك إلا أنهم قالوا: إن قبضه بعد ذلك فعليه زكاة عام.
وذهب الشافعية في الأظهر، ورواية عند الحنابلة، أنه لا زكاة عليه، ولكنه إذا قبضه فعليه زكاة كل السنين.
٢- ذهب الظاهرية وهو المروي عن بعض الصحابة كعائشة وابن عمر وبعض التابعين كعكرمة أنه لا زكاة في الديون، لا على المدين ولا على الدائن، لعدم تمام الملك عند أي منهما.
٣- ذهب إبراهيم النخعي أن زكاة القرض على المقرض، إلا في حال مطل المقترض في السداد فتجب الزكاة على المقترض.
والذي نراه:
أننا لا بد أن نفرق في القرض بين ما قصد به صاحبه جر المنفعة وما قصد به التصدق بمنفعته على المقترض من باب الرفق والمواساة.
فأما القرض الذي يفيد منه صاحبه فائدة أيا كانت فزكاته على المقرض؛ لأنه أشبه مال الاستثمار والمضاربة.
وأما القرض الذي يقصد به صاحبه الرفق والمواساة بلا مقابل فهذا يزكى عند قبضه فقط، وللمقرض أن يتخير بين مذهب المالكية فيزكيه لعام واحد، أو مذهب الجمهور فيزكيه لكل السنين.
وبعد.. فهذا تفصيل مذاهب الفقهاء في مسألة زكاة القروض.
المفتي: د خالد نصر