أولا: اختلف العلماء في حكم التسوية بين الأبناء في العطية أو الهبة:
فذهب الجمهور من الأحناف والمالكية والشافعية ورأي عند الحنابلة إلى أنها مستحبة، وذهب الحنابلة في المذهب إلى أنها واجبة، وتمسكوا بظاهر حديث النعمان بن بشير بن سعد.
ثانيا: من المعروف أن مقامات النظر الشرعي تختلف باختلاف الداعي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمثل في بلاغه عن الله مقامًا واحدًا، بل مثل مقامات متنوعة كمقام التشريع، ومقام القضاء، ومقام الإفتاء، ومقام الوعظ والإرشاد، ومقام المصلح وغيرها.
وكي نصل إلى حكم في نازلة معينة لا بد من تمثل هذه الأحوال والعوارض في أمرين: فهم الدليل، وإيقاعه على النازلة.
ثالثا: في باب القضاء هناك قواعد حاكمة ومنها:
– الأصل إعمال كلام المكلفين.
– الأصل في العقود النفاذ.
– الحق القائم مقدم على الحق المتوقع.
– يد الملك لا تزول إلا بسقوط الملك.
– للمكلف حق التصرف في ملكه بما لا يعد خروجًا عن العادة وإن تضرر غيره.
إلى غير ذلك من القواعد المتعلقة بصحة القضاء الشرعي، بل والعرفي.
رابعًا: هناك فرق بين أن يكون الشيء محرمًا قطعًا، أو أن يكون خلاف الأولى، أو أن يكون محل نظر.
والفقيه ينظر في الأدلة مجتمعة حتى يعرف مقتضى النظر وخلاصة القول.
ومن ذلك مثلًا حديث النعمان بن بشير وقضية نحلته حديقة، وهو من الأحاديث العمدة في باب اختصاص أحد الورثة المفترضين بعطية سابقة على الميراث.
فالفهم الصحيح يدل على أنه لا يخرج مخرج التشريع، وإنما يخرج مخرج النصح والإرشاد، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أَشْهِدْ عَلَيْهِ غَيْرِي»، ويدل عليه أيضا قوله: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إِذَنْ».
فلو خرج وأشهد أبا بكر أو عمر وشهدا لجاز، ولو أراد إبطال النحلة بالكلية لما دله على غير المنع، وهو الذي لا يجوز صلى الله عليه وسلم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وكذلك قوله: «أيسرك..» إنما هو نصح؛ لأنه لا قطع في حصول البر من الجميع بالتسوية بينهم في العطية!
ويؤيد الجواز بلا كراهة نحلة أبي بكر لعائشة رضي الله عنها، والتي عاد فيها لأنها لم يقع لها قبض، والا فهي جائزة من حيث الأصل، ولن يفعل أبو بكر ما يخالف الشرع، ولن يقبل بيت النبوة ما يمكن أن يكون ظلمًا، بل لو أن السيدة عائشة لم ترد ما أخذت لما أجبرها أحد على رده!
وهذا الذي عليه جمهور الفقهاء.
فإذا أضفنا لذلك وجود ما يسوغ التمييز بين الأبناء عرفا، كان ذلك أبلغ في الجواز، من غير إثم أو كراهة
وعلى ذلك فيجوز لهذا الوالد هبة ما شاء لبعض ورثته في حياته، ولا يأثم بذلك إلا إذا قصد ظلمًا، أما إذا أداه اجتهاده لهذا التمييز فهو جائز، ولا إثم عليه في الديانة.
خامسًا: ورد عن بعض الصحابة أنهم ميزوا بعض أولادهم بعطية في حياتهم ومن ذلك:
– ما ذكرناه عن نحلة أبي بكر رضي الله عنه عائشةَ رضي الله عنها.
– وكذلك فَضَّل عمر رضي الله عنه ابنه عاصمًا بشيء أعطاه إياه.
– وفَضَّل عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أولاد أمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
سادسًا: هناك حالات واضحة يحسن فيها التمييز لأنها تخضع لقواعد أعم في الشريعة، ومنها قاعدة (الغنم بالغرم)، ومنها: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) وغيرها.
وأمثلة ذلك:
١- رجل لديه عدة أبناء وفيهم صاحب عاهة كأعمى أو معوق. هل يمتنع عليه ديانة تمييز صاحب العاهة بهبة خاصة في حياته صيانة له من الحاجة بعد وفاته؟!
٢- رجل له أولاد تركوه وخرجوا لبلاد أو نواح أخرى وبقي معه أحدهم يرعاه في كبره، هل يمتنع عليه أن يميزه بمقابل رعايته له، بمقابل من تركه وانشغل بشأن نفسه؟!
٣- ابنة انقطعت عن الزواج وقامت بحاجة والديها في الكبر، حتى فاتها زمن الزواج العرفي والطبيعي، فعوضها الوالدان أو أحدهما بما قد يرغب فيها الأزواج هبة منه، هل يمتنع عليه ذلك ديانة؟!
٤- ابن أنفق جل ماله على والديه في حياتهما، على حين انشغل الآخرون بأمور زوجاتهم وأبنائهم، هل يمتنع ديانة على الوالدين تمييز هذا المتفق بعطية من باب شكر وحمد فعلته ؟!
وعليه فالصواب جواز التمييز بين الأبناء في العطية قضاء، وجوازه ديانة إذا قام المسوغ.
المفتي: د خالد نصر
فذهب الجمهور من الأحناف والمالكية والشافعية ورأي عند الحنابلة إلى أنها مستحبة، وذهب الحنابلة في المذهب إلى أنها واجبة، وتمسكوا بظاهر حديث النعمان بن بشير بن سعد.
ثانيا: من المعروف أن مقامات النظر الشرعي تختلف باختلاف الداعي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمثل في بلاغه عن الله مقامًا واحدًا، بل مثل مقامات متنوعة كمقام التشريع، ومقام القضاء، ومقام الإفتاء، ومقام الوعظ والإرشاد، ومقام المصلح وغيرها.
وكي نصل إلى حكم في نازلة معينة لا بد من تمثل هذه الأحوال والعوارض في أمرين: فهم الدليل، وإيقاعه على النازلة.
ثالثا: في باب القضاء هناك قواعد حاكمة ومنها:
– الأصل إعمال كلام المكلفين.
– الأصل في العقود النفاذ.
– الحق القائم مقدم على الحق المتوقع.
– يد الملك لا تزول إلا بسقوط الملك.
– للمكلف حق التصرف في ملكه بما لا يعد خروجًا عن العادة وإن تضرر غيره.
إلى غير ذلك من القواعد المتعلقة بصحة القضاء الشرعي، بل والعرفي.
رابعًا: هناك فرق بين أن يكون الشيء محرمًا قطعًا، أو أن يكون خلاف الأولى، أو أن يكون محل نظر.
والفقيه ينظر في الأدلة مجتمعة حتى يعرف مقتضى النظر وخلاصة القول.
ومن ذلك مثلًا حديث النعمان بن بشير وقضية نحلته حديقة، وهو من الأحاديث العمدة في باب اختصاص أحد الورثة المفترضين بعطية سابقة على الميراث.
فالفهم الصحيح يدل على أنه لا يخرج مخرج التشريع، وإنما يخرج مخرج النصح والإرشاد، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أَشْهِدْ عَلَيْهِ غَيْرِي»، ويدل عليه أيضا قوله: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إِذَنْ».
فلو خرج وأشهد أبا بكر أو عمر وشهدا لجاز، ولو أراد إبطال النحلة بالكلية لما دله على غير المنع، وهو الذي لا يجوز صلى الله عليه وسلم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وكذلك قوله: «أيسرك..» إنما هو نصح؛ لأنه لا قطع في حصول البر من الجميع بالتسوية بينهم في العطية!
ويؤيد الجواز بلا كراهة نحلة أبي بكر لعائشة رضي الله عنها، والتي عاد فيها لأنها لم يقع لها قبض، والا فهي جائزة من حيث الأصل، ولن يفعل أبو بكر ما يخالف الشرع، ولن يقبل بيت النبوة ما يمكن أن يكون ظلمًا، بل لو أن السيدة عائشة لم ترد ما أخذت لما أجبرها أحد على رده!
وهذا الذي عليه جمهور الفقهاء.
فإذا أضفنا لذلك وجود ما يسوغ التمييز بين الأبناء عرفا، كان ذلك أبلغ في الجواز، من غير إثم أو كراهة
وعلى ذلك فيجوز لهذا الوالد هبة ما شاء لبعض ورثته في حياته، ولا يأثم بذلك إلا إذا قصد ظلمًا، أما إذا أداه اجتهاده لهذا التمييز فهو جائز، ولا إثم عليه في الديانة.
خامسًا: ورد عن بعض الصحابة أنهم ميزوا بعض أولادهم بعطية في حياتهم ومن ذلك:
– ما ذكرناه عن نحلة أبي بكر رضي الله عنه عائشةَ رضي الله عنها.
– وكذلك فَضَّل عمر رضي الله عنه ابنه عاصمًا بشيء أعطاه إياه.
– وفَضَّل عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أولاد أمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
سادسًا: هناك حالات واضحة يحسن فيها التمييز لأنها تخضع لقواعد أعم في الشريعة، ومنها قاعدة (الغنم بالغرم)، ومنها: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) وغيرها.
وأمثلة ذلك:
١- رجل لديه عدة أبناء وفيهم صاحب عاهة كأعمى أو معوق. هل يمتنع عليه ديانة تمييز صاحب العاهة بهبة خاصة في حياته صيانة له من الحاجة بعد وفاته؟!
٢- رجل له أولاد تركوه وخرجوا لبلاد أو نواح أخرى وبقي معه أحدهم يرعاه في كبره، هل يمتنع عليه أن يميزه بمقابل رعايته له، بمقابل من تركه وانشغل بشأن نفسه؟!
٣- ابنة انقطعت عن الزواج وقامت بحاجة والديها في الكبر، حتى فاتها زمن الزواج العرفي والطبيعي، فعوضها الوالدان أو أحدهما بما قد يرغب فيها الأزواج هبة منه، هل يمتنع عليه ذلك ديانة؟!
٤- ابن أنفق جل ماله على والديه في حياتهما، على حين انشغل الآخرون بأمور زوجاتهم وأبنائهم، هل يمتنع ديانة على الوالدين تمييز هذا المتفق بعطية من باب شكر وحمد فعلته ؟!
وعليه فالصواب جواز التمييز بين الأبناء في العطية قضاء، وجوازه ديانة إذا قام المسوغ.
المفتي: د خالد نصر