(ف399) هل يجوز استثمار أموال في شراء أسهم في شركة منتجاتها حلال -لا لبس في حلها- ولكن معاملتها المالية مع البنوك قد يدخل فيها قروض عليها فوائد؟

بالنسبة لهذه المسألة فيحسن فيها التفصيل:
أولا: إذا كانت هذه الشركة تنتج منتوجًا حلالا في أصله كالأدوية والمواد الغذائية الحلال، أو الأثاث والأجهزة المنزلية وغيرها مما يحل في أصله، فالاستثمار فيها بشراء أسهم جائز في أصله؛ لأن المشترَى حلال، وعقده حلال؛ حيث يقوم على البيع والشراء، وقد قال تعالى: ﴿‌وَأَحَلَّ ‌اللَّهُ ‌الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275].
والمعول عليه هنا هو شروط البيع والشراء المعروفة في باب البيوع.
ثانيا: إذا كانت هذه الشركة تعمل في المنتج الحلال ولكنها تعتمد في الإنتاج على قروض بنكية ذات فائدة، وذلك من باب التوسع في الإنتاجية، فهنا اختلف السادة العلماء من جهات:
الأولى: اختلاف الدار:
فقد اعتبر بعض الفقهاء ومنهم السادة الأحناف، وبعض الحنابلة، أن المعاملة في دار الكفر تختلف عن دار الإسلام، وأن شراء الأسهم في الشركات التي تعتمد الربا أساسا في رأس مالها جائز في دار الكفر.
وخالفهم في هذا جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب والظاهرية.
الثاني: القلة والكثرة:
فنظر أصحاب هذا الرأي إلى ما يغلب على رأس مال هذه الشركة: فإن كان أكثر المنتوج متولدا من مساهمات المشاركين، وأقله من القرض الربوي، فهنا يجوز شراء الأسهم باعتبار قاعدة أن (الأكثر يأخذ حكم الكل) أو (إقامة الأكثر مقام الكل أصل).
هذه القاعدة بألفاظها المتعددة تؤدي معنى متحدًا، وهو أن الحكم إذا تعلق بمتعدد، ووُجِدَ أكثر هذا المتعدد، فإن الحكم يطبق على الكل، ولا يضر ثبوتَ الحكم تخلفُ الأقل، أو عدمُ وجوده، وذلك عند السادة الحنفية.
ولهذه القاعدة تطبيقات فقهية منها:
– الحكم بطهارة الماء مع ما فيه من ملوثات.
– الحكم بحل أكل اللحم مع أنه يحوي دما.
– جواز بيع الأرض بذكر ثلاثة حدود دون الرابع، إذا لم يكن الرابع ممتدًّا.
– جواز الذبيحة بقطع ثلاثة من أربعة وهي الحلقوم والمريء والوجدان.
– صحة ركن الطواف بأربعة من سبعة مع بقاء الباقي واجبًا.
والحكم بالأغلب وإن كان أصل عند الأحناف إلا أنه عمل الفقهاء.
الثالث: تحقيق المناط:
وذلك أن تحريم ربا القروض بسبب النسيئة، وهي الزيادة في مقابل الأجل.
ولكن إذا نظرنا إلى القروض الاستثمارية، نجد أن وصفها بالقرض فيه تجاوز لحقيقتها؛ لأن أكثر التمويل الاستثماري هو جماع بين أمور:
المضاربة والوكالة والأمانة والقرض، فهي هنا نوع جديد يستحق الاجتهاد.
فمن غلب فيه معنى الضمان منع.
ومن غلب فيه معنى المضاربة أجازه.
والذي نقول به:
إن أموال التمويل الاستثماري لا تدخل في باب الربا؛ لأنها معاملة تجمع بين أمور أكثرها حلال، وفيها فائدة في تداول المال وكثرة الإنتاج، وتوفير فرص العمل، ونمو مال المضاربين
كل هذا يجعل منها بابًا حلالًا.
المفتي: د خالد نصر