بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
فبالنسبة لسؤالكم المتعلق بحكم دفع الزكاة للمساجد بصفة عامة سواء كان لسداد دين أو لمباشرة العمل اليومي، أقول في ذلك مختصرا وبالله التوفيق:
أولا: خصص الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة تحديدا في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، في ثمانية أصناف محددة.
فالفقير: هو الذي لا شيء عنده يكفيه.
والمسكين: هو الذي عنده ما دون النصاب، أو عنده حد النصاب ولكنه لا يكفي حاجته الأساسية.
والعامل عليها: هو الذي يعمل في جمع الزكاة وتوزيعها موكلا من السلطان أو من يقوم مقامه.
وفي الرقاب: وهم العبيد والإماء الذين يطلبون العتق.
والغارمون: وهم من كانت عليهم ديون لازمة للحاجة الأساسية أو ضمنوا غيرهم في مال ولا يستطيعون السداد.
وابن السبيل: هو المسافر المنقطع عن أهله وماله.
وفي سبيل الله: هو الجهاد ويشمل المقاتلة والعتاد.
ثانيًا: اختلفت كلمة السادة العلماء في تحديد مصرف (في سبيل الله) وهذه خلاصة آرائهم:
١- أن معنى (في سبيل الله) هو الجهاد بالسيف، ويشمل المقاتلة وما يلزمهم من عتاد الحرب (على تفصيل بين العلماء) وهذا هو مذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة والظاهريّة، وبه قال إسحاقُ، وأبو ثور، وأبو عبيد القاسم بن سلام، والطبري، وابن المُنْذِر.ونقل ابن العربي وابن قدامة الإجماع على ذلك.
٢- توسع البعض في مفهوم (في سبيل الله) قليلا. فضم له بعض ما شمله اللفظ في القرآن والسنة؛ فجعل منه إسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن الشيباني من الأحناف باب الحج، وجعل منه البعض طالب العلم المنقطع.
ولكن بقي المعنى مقصورًا على الأفراد والغزو.
٣- أدخل بعض العلماء المحدثين جهاد الكلمة في مفهوم الجهاد العام، فصار من يجاهد عن الإسلام دفعًا أو طلبًا بلسانه وقلمه داخلًا في مفهوم الجهاد في سبيل الله.
٤- توسع قلة من الفقهاء قديمًا وقالوا: إن معنى في سبيل الله تشمل كل أبواب الخير والبر:
فقد نقل القفال عن بعض الفقهاء أنهم يجيزون الزكاة في كل باب من أبواب الخير كتكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد. ووافق هذا الصنعاني، وصديق حسن خان، والقاسمي وغيرهم. وذكره الكاساني في البدائع إلا أنه اشترط أن يكون المستحق فردًا لا جهة؛ فلم يجزه للمؤسسات والمساجد وغيرها.
والذي نرجحه من هذه الآراء هو أن هذا السهم مخصوص كغيره مما ذكر في الآية وذلك للآتي:
١- استعمال أسلوب القصر الذي يدل على التحديد.
٢- استعمال لام الملك التي تدل على قابلية التملك، وهي فعل مكلف.
٣- فساد النظم القرآني إذا قلنا بالعموم، لأنه يكون نوعًا من عطف الكل على البعض، ثم عطف البعض على الكل، وهو لا نظير له في اللغة.
٤- القول بالعموم يؤدي لضياع حقوق الفقراء والمساكين عمليًّا.
وعلى ذلك: فبالنسبة لدفع الزكاة للمساجد استحقاقًا:
فعلى رأي المذاهب الأربعة والجمهور لا يجوز دفع الزكاة إليها باعتبارها مؤسسة، ولا يجوز دفع تكاليف العمل اليومي والإداري والصيانة من مال الزكاة، وإنما تؤخذ من الصدقات والتبرعات العامة.
ولكن يجوز لهذه المؤسسة من باب الزكاة أن تنوب عن المزكي في توصيل الزكاة للمستحقين، ولها أن تشتري بمال الزكاة أعيانًا بقيمتها المالية، بشرط أن يتملكها المستفيد من الزكاة، وذلك على مذهب من يجيز دفع الزكاة بالقيمة وليس بالعين.
هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
فبالنسبة لسؤالكم المتعلق بحكم دفع الزكاة للمساجد بصفة عامة سواء كان لسداد دين أو لمباشرة العمل اليومي، أقول في ذلك مختصرا وبالله التوفيق:
أولا: خصص الله سبحانه وتعالى مصارف الزكاة تحديدا في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]، في ثمانية أصناف محددة.
فالفقير: هو الذي لا شيء عنده يكفيه.
والمسكين: هو الذي عنده ما دون النصاب، أو عنده حد النصاب ولكنه لا يكفي حاجته الأساسية.
والعامل عليها: هو الذي يعمل في جمع الزكاة وتوزيعها موكلا من السلطان أو من يقوم مقامه.
وفي الرقاب: وهم العبيد والإماء الذين يطلبون العتق.
والغارمون: وهم من كانت عليهم ديون لازمة للحاجة الأساسية أو ضمنوا غيرهم في مال ولا يستطيعون السداد.
وابن السبيل: هو المسافر المنقطع عن أهله وماله.
وفي سبيل الله: هو الجهاد ويشمل المقاتلة والعتاد.
ثانيًا: اختلفت كلمة السادة العلماء في تحديد مصرف (في سبيل الله) وهذه خلاصة آرائهم:
١- أن معنى (في سبيل الله) هو الجهاد بالسيف، ويشمل المقاتلة وما يلزمهم من عتاد الحرب (على تفصيل بين العلماء) وهذا هو مذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة والظاهريّة، وبه قال إسحاقُ، وأبو ثور، وأبو عبيد القاسم بن سلام، والطبري، وابن المُنْذِر.ونقل ابن العربي وابن قدامة الإجماع على ذلك.
٢- توسع البعض في مفهوم (في سبيل الله) قليلا. فضم له بعض ما شمله اللفظ في القرآن والسنة؛ فجعل منه إسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن الشيباني من الأحناف باب الحج، وجعل منه البعض طالب العلم المنقطع.
ولكن بقي المعنى مقصورًا على الأفراد والغزو.
٣- أدخل بعض العلماء المحدثين جهاد الكلمة في مفهوم الجهاد العام، فصار من يجاهد عن الإسلام دفعًا أو طلبًا بلسانه وقلمه داخلًا في مفهوم الجهاد في سبيل الله.
٤- توسع قلة من الفقهاء قديمًا وقالوا: إن معنى في سبيل الله تشمل كل أبواب الخير والبر:
فقد نقل القفال عن بعض الفقهاء أنهم يجيزون الزكاة في كل باب من أبواب الخير كتكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد. ووافق هذا الصنعاني، وصديق حسن خان، والقاسمي وغيرهم. وذكره الكاساني في البدائع إلا أنه اشترط أن يكون المستحق فردًا لا جهة؛ فلم يجزه للمؤسسات والمساجد وغيرها.
والذي نرجحه من هذه الآراء هو أن هذا السهم مخصوص كغيره مما ذكر في الآية وذلك للآتي:
١- استعمال أسلوب القصر الذي يدل على التحديد.
٢- استعمال لام الملك التي تدل على قابلية التملك، وهي فعل مكلف.
٣- فساد النظم القرآني إذا قلنا بالعموم، لأنه يكون نوعًا من عطف الكل على البعض، ثم عطف البعض على الكل، وهو لا نظير له في اللغة.
٤- القول بالعموم يؤدي لضياع حقوق الفقراء والمساكين عمليًّا.
وعلى ذلك: فبالنسبة لدفع الزكاة للمساجد استحقاقًا:
فعلى رأي المذاهب الأربعة والجمهور لا يجوز دفع الزكاة إليها باعتبارها مؤسسة، ولا يجوز دفع تكاليف العمل اليومي والإداري والصيانة من مال الزكاة، وإنما تؤخذ من الصدقات والتبرعات العامة.
ولكن يجوز لهذه المؤسسة من باب الزكاة أن تنوب عن المزكي في توصيل الزكاة للمستحقين، ولها أن تشتري بمال الزكاة أعيانًا بقيمتها المالية، بشرط أن يتملكها المستفيد من الزكاة، وذلك على مذهب من يجيز دفع الزكاة بالقيمة وليس بالعين.
هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر