(ف41) جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المسجد النبوي، فسألوه: ماذا تحب من دنياك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثَةٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». فقال أبو بكر رضي الله عنه: وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاثة: نفقة مالي عليك، وجلوسي بين يديك، والنظر إليك. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاثة: قول الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقال عثمان رضي الله عنه: وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاثة: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام. وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاثة: إكرام الضيف، وصيام رمضان في الصيف، وضرب المشركين بالسيف. وقال أبو ذر: أحب في الدنيا ثلاثة: الجوع، والمرض، والموت. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلِمَ؟» فقال أبو ذر: أحب الجوع ليرق قلبي، وأحب المرض ليخفف ذنبي، وأحب الموت لألقى ربي. فنزل جبريل عليه السلام عند ذلك فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: وأنا يا رسول الله حبب إلي من دنياكم ثلاثة: حب المساكين، وأداء الرسالة إلى المسلمين، والحمد لله رب العالمين. ثم عرج جبريل عليه السلام إلى السماء ورجع في أسرع من طرفة عين فقال: يا محمد، العليُّ الأعلى يقرئك السلام ويقول لك: وأنا حبب إلي من دنياكم ثلاثة: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وجسم على البلاء في طاعتي صابر. ذكر هذه الرواية بطولها أحد الشيوخ في محاضرة له على اليوتيوب، فهل هناك رواية كاملة أم إن النص الصحيح مقتصر على الجزء الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

أقول والعلم عند الله:
أما الحديث في جزئه الأول والذي يختص بثلاثة الرسول صلى الله عليه وسلم فصحيح وهو من رواية أحمد والنسائي والحاكم وأبي يعلى وغيرهم. وأما الزيادة المروية عن الصحب الأطهار ومنهم الخلفاء الأربعة وسيدنا أبو ذَرٍّ فقد رواها كما قال المتحدث الإمام العجلوني في كتابه “كشف الخفا ومزيل الإلباس”. والعجلوني هو إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني الجراحي العجلوني الدمشقي الشافعي، أبو الفداء، مؤرخ، محدث، مفسر، نحوي، ولد بعجلون سنة (1087هـ)، ونشأ بدمشق، وتوفي بها في المحرم سنة (1162هـ). وكتابه “كشف الخفا” هو تقليد لكتاب “المقاصد الحسنة” للإمام السخاوي حيث جمع فيه أحاديث اشتهرت على ألسنة الناس وتناول أسانيدها ومسنديها بالجرح والتعديل، حكما عليها وإشارة إلى ما كان من تغيير في الألفاظ، وهو كتاب يضم أكثر من ثلاثة آلاف حديث فيها الصحيح وفيها الضعيف بأنواعه.
والرواية المذكورة وإن ذكرها العجلوني بصيغة لا تدل على الصحة فإن معناها صحيح ولا يمتنع روايتها؛ لأن كل ما فيها مما ورد في أحاديث أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم، والضعف في السند لا يقتضي الترك مطلقا بل ينظر في المروي وفي درجة الضعف، فإذا نظرنا إلى كلام الصحب بما فيه كلام أبي ذَرٍّ سنجد له سندا من القرآن والسنة. فلا بأس برواية المتحدث غفر الله لنا وله.
المفتي: د خالد نصر