(ف44) الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد نهى وحرم الحرير والذهب عن الرجال فقط دون النساء باستثناء سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه لإصابته بحساسية حادة. سؤالي يا شيخنا: لماذا الرجال دون النساء؟ وكذلك هل لمرض الزهايمر المنتشر حاليا علاقة بارتداء الحرير والذهب؟

أولا: أدلة تحريم لبس الحرير على الرجال: ما رواه البخاري عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا, وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ, وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْه». والديباج نسيج من حرير ملون والكلمة فارسية.
وكذلك ما رواه البخاري عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ, أَوْ ثَلَاثٍ, أَوْ أَرْبَعٍ».
وكذلك ما رواه أحمد والنسائي عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي, وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِمْ». وهناك أدلة أخرى يمكن أن تراجع في مظانها.
ثانيا: علة تحريم الحرير بصفة عامة هناك أمور في باب الحلال والحرام معلومة الحكمة مفهومة العلة واضحة في الدلالة كتحريم القتل والسرقة والغصب والتعذيب.
وهناك أمور أخرى تخفى الحكمة منها والأصل أن تقع لعلة التعبد والخضوع لأمر الشارع، وذلك كالوضوء من الحدث الأصغر والغسل من الأكبر وعدد الركعات لكل صلاة والتيمم بالصعيد الطيب.
وهناك نوع ثالث يخضع لاجتهاد المجتهد واستنباط المستنبط فتبدو علته للبعض وتخفى على البعض فيحملها على التعبد، وهذا النوع منه تحريم الربا، ولبس الذهب للرجال، وحرمة الخنزير.
فإذا ما طبقنا هذا على تحريم الحرير على الرجال وجدنا أنه من النوع الثالث، فالبعض ينظر إليه أنه حرم اختبارا للرجال على الصبر والامتثال لأوامر الله.
والبعض رأى أن الحكم معلل وحاول إن يجد له علة؛ فقائل: إن الحرير لما كثر استعماله من النساء حرم على الرجال لئلا يقع التشبه. ولا يخفى ضعف هذا المنطق لأن الرجال والنساء يتشابهون في لباس كثير من أنواع اللباس فلا يحرم الصوف أو القطن وإن لبسته النساء بكثرة.
والبعض قال: إنه يحرم لما فيه من معنى الفخر والخيلاء. وهذا أيضا ضعيف لأنه لو كان ذلك كذلك لحرم على النساء أيضا إذ كلاهما منهي عن الفخر والخيلاء، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]. و(كل) تفيد العموم.
وقال البعض: إن لبس الحرير للرجال يدعو إلى التخنث وإنه ضد الشهامة والرجولة.
والحق لا أدري ما العلاقة بين الحرير بالذات والرجولة. نحن الآن نرى ملابس كثيرة ليست من الحرير ويلبسها الناس وفيها معاني التخنث كالبناطيل الضيقة للرجال والقمص الضيقة المشجرة والملابس التي تصنع على هيئة الأعضاء وغيرها. فهل نقول: إن المواد التي صنعت منها هذه الملابس محرمة؟ أم نقول: إن طريقة اللبس هي المحرمة؟ ماذا لو صنعت هذه البناطيل الضيقة من القطن أو الصوف؟ هل نحرمهما أيضا أم نحرم طريقة اللباس؟ فالعلة المذكورة لا تقوم بنفسها سببا للتحريم.
وقال بعضهم: إن في لباسه تشبه بالكفار. وهذا أيضا لا يختلف عن غيره لأن الكفار لا يختصون بلباس الحرير بل إن في ملابسهم أشياء أخرى نشاركهم فيها وهي الأكثر لباسا عندهم، فهل نحرم على أهل الاسلام كل ما يلبسه غيرهم؟! كما أن التشبه يكون فيما يختصون به كلباس رجال الدين عندهم أو ملابس الشهرة كلبس البهلوان، أما ما يشترك فيه جل الناس فلا يقال فيه تشبه. وعليه، فالرأي عندي ألا علة لتحريم الحرير من جهة المعقول، والتحريمُ من جهة المنقول.
ثالثا: نوع الحرير المحرم: الحرير الذي يحرم هو الطبيعي وهو ما كان من دودة القز، أما ما يسمى بالحرير الصناعي، فهو لا يوصف بالحرمة، لأنه في حقيقته ليس حريرا، وإنما هو مصنوع من مواد بترولية أو نباتية. والتسمية لا تغير حكم المادة الأصلية، فلو كان حكم المادة الأصلية حلالا حلت، فلو سمى الناس الخمر باسم مشروب روحي لا يجعله حلالا، وكذلك لو سموا الخل بالواين فينينجر لن يجعلها حراما لمجرد استعمال كلمة الواين.
رابعا: ما ألمحت إليه من علاقة بين لبس الحرير وبعض الأمراض يسأل فيه أهل التخصص ولست منهم. خامسا: يباح الحرير الطبيعي لبعض الأسباب كما ذكر الفقهاء، منها:
– الأسباب الطبية.
– إغاظة الأعداء وإظهار الهيبة.
– مزجه مع غيره بنسبة معينة.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر