أولًا: بالنسبة للتدخين فإننا لا نجد فيه حكمًا في كتب الفقه في الصدر الأول ولا في عهد السلف؛ لأن معرفة الناس به جاءت متأخرة، فقد اكتشفه المستعمرون الإسبان في القرن السادس عشر الميلادي ووصل إلى بلاد الإسلام في القرن الحادي عشر الهجري، وبعد أن انتشر في بلاد الإسلام بدأ العلماء يتكلمون في حكمه؛ فمنهم من أخذ منه موقف المحرم، ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من توقف. وعلماء هذا الزمان السابق معذورون في هذا إذ إن الأمر كان جديدا ولم تكن قد ظهرت نتائج التدخين كما وضحت بعد ذلك.
فمن المحرمين الأُوَل للتدخين من جماعة مذهبنا:
– عبد الباقي الحنفي وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري، قال: “الحق حرمتها وتحقيقها مأخوذ من الكتاب الشريف والحديث النبوي والقواعد الشرعية والنصوص المحررة المرعية”.
– ومنهم الشرنبلالي حسن بن عمار من علماء القرن الحادي عشر أيضا يرى تحريمه لانتفاء الغذاء والدواء عنه، ويمنع من بيعه وشربه لأنه من الخبائث، وتلزم شاربه الكفارة في رمضان.
– ومنهم الشيخ محمد العيني الحنفي في رسالته في تحريم التدخين.
وقد شارك الأحناف أيضا جمع من أئمة المذاهب الأخرى في القول بالتحريم في المراحل الأولى التي عاصرت بدايات معرفة الناس بالتدخين. وهناك أيضًا من قال بالكراهة فقط لعدم القطع في الدليل ولأن القياس على غيره لا يلزم منه على رأيهم القول بالحرمة. أما في العصر الحديث فقد اتجهت آراء الفقهاء والمفتين إلى القول بالحرمة، وهذا ما عليه أكثر دور الإفتاء والمجامع الفقهية، وإن بقي البعض على القول بالكراهة.
والحق أن التدخين محرم وذلك للآتي:
1- أن الشريعة جاءت للحفاظ على مقاصد عامة وهي النفس والعقل والعرض والمال والدين؛ فكل ما أثر على هذه المقاصد الخمسة تأثيرًا سلبيًّا منعه الشرع وإن بدا على غير ذلك، فمثلا من يملك مالا مكتسبا له خاصة له أن يتصرف فيه، ولكن إن أراد إحراقه مثلا منعه الشرع من ذلك، وعد ذلك سفهًا، وحُجر عليه في ذلك؛ إذ إن ذلك يخالف مقاصد الشرع، ومنها حفظ المال، فلا تسمح الشريعة بهذا التعسف؛ لأن فيه إضاعة للمال من غير سبب، وفيه إفقار لجماعة المسلمين.
ومن أراد أن يتبرع بدمه فله ذلك إلا أن يتخطى القدر المسموح فإن تخطاه تحولت القربة إلى معصية؛ لأن فيها إفسادًا للجسد وهكذا.
2- قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: 157]. وها نحن نرى بأعيننا ونشم بأنوفنا ونلمس بعقولنا خبث التدخين وضرره.
3- روى الإمام أحمد وأبو داود، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر”. قال الحافظ الزين العراقي: إسناده صحيح. والتدخين وإن لم يكن مسكرًا فإنه يفتر قوة المدخن على المدى البعيد حيث ترى الواحد منهم عصبيا سريع الغضب منهكًا إن لم يدخن.
4- أن في التدخين إضاعة المال لما لا يفيد، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». والواقع يقول إن المليارات تصرف في هذا الباب مما يكفي لإغناء فقراء الدنيا.
5- إن في التدخين الضرر للنفس والغير؛ عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطأ مرسلا: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.
6- كون رائحته كريهة تؤذي الناس الذين لايستعملونه، وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل يؤذي الملائكة، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر مرفوعا: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» ومعلوم أن رائحة التدخين ليست أقل كراهية من الثوم والبصل. وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مَنْ آذَى مُسْلِمًا فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ» رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه بإسناد حسن.
7- شهادة أهل الطب والعلماء أن التدخين وراء انتشار كثير من الأمراض، وعلى رأسها أمراض القلب والرئتين والدم وغيرها، وإذا كان التدخين من المرأة لعله يؤثر على الأجنة مما يظهر لاحقًا في أمراض الأطفال، وهذه جناية على بريء.
وعليه: فالقول الصواب أن التدخين محرم بصحيح الأدلة والقياس، وما حرم لم يجز بيعه ولا يعتبر مالًا معصومًا ولا طيبًا، فلا يجوز العمل في بيعه إلا لمضطر أو متأول لمذهب من يقول بالكراهة. وأما من يعمل في مكان مختلط يبيع الحلال وبعض الحرام مع غلبة الحلال وذلك في بلاد غير المسلمين فيمكن أن يقلد من يقول بالكراهة دون التحريم إن لم يكن له سبيل آخر للكسب الطيب الخالص مع معرفتنا بصعوبة ذلك، وليحاول أن يتجنب بيع ذلك بنفسه قدر الطاقة.
المفتي: د خالد نصر
فمن المحرمين الأُوَل للتدخين من جماعة مذهبنا:
– عبد الباقي الحنفي وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري، قال: “الحق حرمتها وتحقيقها مأخوذ من الكتاب الشريف والحديث النبوي والقواعد الشرعية والنصوص المحررة المرعية”.
– ومنهم الشرنبلالي حسن بن عمار من علماء القرن الحادي عشر أيضا يرى تحريمه لانتفاء الغذاء والدواء عنه، ويمنع من بيعه وشربه لأنه من الخبائث، وتلزم شاربه الكفارة في رمضان.
– ومنهم الشيخ محمد العيني الحنفي في رسالته في تحريم التدخين.
وقد شارك الأحناف أيضا جمع من أئمة المذاهب الأخرى في القول بالتحريم في المراحل الأولى التي عاصرت بدايات معرفة الناس بالتدخين. وهناك أيضًا من قال بالكراهة فقط لعدم القطع في الدليل ولأن القياس على غيره لا يلزم منه على رأيهم القول بالحرمة. أما في العصر الحديث فقد اتجهت آراء الفقهاء والمفتين إلى القول بالحرمة، وهذا ما عليه أكثر دور الإفتاء والمجامع الفقهية، وإن بقي البعض على القول بالكراهة.
والحق أن التدخين محرم وذلك للآتي:
1- أن الشريعة جاءت للحفاظ على مقاصد عامة وهي النفس والعقل والعرض والمال والدين؛ فكل ما أثر على هذه المقاصد الخمسة تأثيرًا سلبيًّا منعه الشرع وإن بدا على غير ذلك، فمثلا من يملك مالا مكتسبا له خاصة له أن يتصرف فيه، ولكن إن أراد إحراقه مثلا منعه الشرع من ذلك، وعد ذلك سفهًا، وحُجر عليه في ذلك؛ إذ إن ذلك يخالف مقاصد الشرع، ومنها حفظ المال، فلا تسمح الشريعة بهذا التعسف؛ لأن فيه إضاعة للمال من غير سبب، وفيه إفقار لجماعة المسلمين.
ومن أراد أن يتبرع بدمه فله ذلك إلا أن يتخطى القدر المسموح فإن تخطاه تحولت القربة إلى معصية؛ لأن فيها إفسادًا للجسد وهكذا.
2- قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: 157]. وها نحن نرى بأعيننا ونشم بأنوفنا ونلمس بعقولنا خبث التدخين وضرره.
3- روى الإمام أحمد وأبو داود، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر”. قال الحافظ الزين العراقي: إسناده صحيح. والتدخين وإن لم يكن مسكرًا فإنه يفتر قوة المدخن على المدى البعيد حيث ترى الواحد منهم عصبيا سريع الغضب منهكًا إن لم يدخن.
4- أن في التدخين إضاعة المال لما لا يفيد، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». والواقع يقول إن المليارات تصرف في هذا الباب مما يكفي لإغناء فقراء الدنيا.
5- إن في التدخين الضرر للنفس والغير؛ عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطأ مرسلا: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.
6- كون رائحته كريهة تؤذي الناس الذين لايستعملونه، وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل يؤذي الملائكة، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر مرفوعا: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» ومعلوم أن رائحة التدخين ليست أقل كراهية من الثوم والبصل. وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مَنْ آذَى مُسْلِمًا فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ» رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه بإسناد حسن.
7- شهادة أهل الطب والعلماء أن التدخين وراء انتشار كثير من الأمراض، وعلى رأسها أمراض القلب والرئتين والدم وغيرها، وإذا كان التدخين من المرأة لعله يؤثر على الأجنة مما يظهر لاحقًا في أمراض الأطفال، وهذه جناية على بريء.
وعليه: فالقول الصواب أن التدخين محرم بصحيح الأدلة والقياس، وما حرم لم يجز بيعه ولا يعتبر مالًا معصومًا ولا طيبًا، فلا يجوز العمل في بيعه إلا لمضطر أو متأول لمذهب من يقول بالكراهة. وأما من يعمل في مكان مختلط يبيع الحلال وبعض الحرام مع غلبة الحلال وذلك في بلاد غير المسلمين فيمكن أن يقلد من يقول بالكراهة دون التحريم إن لم يكن له سبيل آخر للكسب الطيب الخالص مع معرفتنا بصعوبة ذلك، وليحاول أن يتجنب بيع ذلك بنفسه قدر الطاقة.
المفتي: د خالد نصر