(ف51) ما حكم الاحتفاظ بالصور الشخصية والعائلية في المنزل على جدران الحوائط، وهل صحيح أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صوره؟?

هذه مسألة قديمة يكثر فيها السؤال والجدل وقد تكلم فيها الأئمة قديمًا وحديثًا، والأصل فيها الآتي:
١ – أن الإسلام تشدد في باب الصور لأنها كانت بابًا للشرك ومظنة للتعظيم الممنوع، كما أن في بعضها مضاهاة لخلق الله سبحانه.
٢- أن الصور ليست هيئة واحدة تمنع أو تُباح؛ فالصورة قد تكون ممنوعة، وهي نفسها قد تُباح لعلة أخرى كما سنبين إن شاء الله، وعليه فالتحريم معلول وليس من باب التعبد، والقاعدة أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا.
٣- أن كلمة الصور الواردة في الأحاديث الناهية لا تدل بلفظها على هيئة واحدة؛ فتارة تعني التماثيل، وتارة تعنى الرسم والتجسيم ، وأن الصورة بصفتها المعاصرة والتي تكون بالآلة لم ترد في نص واحد، وغاية ما يقال فيها هو من باب القياس الذي لا يستقيم.
أولا: وردت عدة نصوص تنهى عن اتخاذ الصور منها:
1- ما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».
2- وعنه صلى الله عليه وسلم من روايتهما أيضًا قال: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ».
3- ومنه أيضا ما روته عائشة رضى الله عنها قالت: “قدم علينا رسول صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة (الطاق فى الحائط يوضع فيه الشيء وقيل غيره) بقرام (ستر) فيه تماثيل، فلما رآه تلوَّن وجهه وقال: «لَا يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ». قَالَتْ: فَقَطَّعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ”.
وهناك روايات أخرى تدور حول هذا المعنى في كتب السنن والمسانيد.
ومنها نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر في بعضها من الصور وفي بعضها من التماثيل.
وعلى هذا اختلف الأئمة في حكم الصور بسبب اختلافهم في تفسير مفهوم الصور؛ هل هو المرسوم المنقوش، أم هو المجسم على هيئة المخلوق الحي؟
وكذلك هل هذا النهي ارتبط بالوقت وقرب الناس من عهد الجاهلية أم أنه عام وإن أمن من مظنة التعظيم؟
ثانيًا: اختلف الأئمة في حكم صنع ما سبق مما فيه الروح بالتفصيل الآتي:
١- الرسم والنقش وما في معناهما: وللعلماء في ذلك آراء:
– التحريم مطلقا لعموم النصوص السابقة.
– التحريم المشروط: فتحرم إذا كانت الصورة كاملة، أما إذا كانت منقوصة بحيث لا يحيى معها صاحبها بهيئتها فتجوز، وذلك كأن تكون للرأس فقط أو للقسم العلوي من الصدر مع الرأس وهكذا. وكذلك تحرم إذا كانت مكرمة معظمة، أما غير ذلك فلا.
– الحل مطلقا وهو مروي عن بعض المالكية.
٢ – التماثيل: تشدد بعض العلماء في مسألة التماثيل أكثر من تشددهم في مسألة الصور إذ فيها تجسيم.
– فقال بعضهم بالحرمة المطلقة.
– وأجازها بعضهم بشرط أن تكون ناقصة بما لا يحيى معه الإنسان عادة، كما أجاز الأحناف والمالكية والحنابلة إن كان فيها ثقب يمنع من الحياة.
– وأجازها بعض العلماء كما نقل القرطبي رحمه الله إن كانت من مادة لا تدوم كالحلوى والعجين.
ثالثًا: ما ورد في اقتناء الصور والمجسمات:
وردت أحاديث يدل ظاهرها على المنع وأخرى تدل على الجواز: فمن أحاديث المنع:
-ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليبُ إِلَّا نَقَضَهُ. – وروى أحمد بسند حسن عن علي قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال: «أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلاَ يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إِلَّا كَسَرَهُ وَلاَ قَبْرًا إِلَّا سَوَّاهُ وَلاَ صُورَةً إِلاَّ لَطَخَهَا». فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْطَلَقَ فَهَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَنْطَلِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَانْطَلِقْ». فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَنًا إِلاَّ كَسَرْتُهُ وَلاَ قَبْرًا إِلاَّ سَوَّيْتُهُ وَلاَ صُورَةً إِلاَّ لَطَخْتُهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَ لِصَنْعَةِ شَىْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم».
ومن أحاديث الجواز: – فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليها من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفته عن بنات لعائشة لُعَبٍ، فقال: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رِقَاعٍ فقال: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟» قالت: فرس. قال: «وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟» قالت: جناحان. قال: «فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. والبنات هُن العرائس التي يلعب بهن الإناث. وقد قال البعض: إن هذا مخصوص بالأطفال فقط بقصد التعليم.
والحق أن هذا تفسير ضعيف:
– لأنه لو كان محرمًا تنطبق عليه النصوص العامة لما جاز لأحد طفلًا كان أو كبيرًا، وهذا شأن المحرمات جميعًا.
– وكذلك لأن الصغار أولى بمعرفة الحلال والحرام؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
– وأيضاً لأن في اعتبار السيدة عائشة صغيرة لدرجة أنها تلعب بما يلعب به الأطفال عادة نزولا بقدرها وقدر النبي الذي يتزوج من طفلة صغيرة، حاشاه صلى الله عليه وسلم.
والذي يظهر لنا أن الجواز هنا ارتبط بأمن الشرك والتعظيم، ووقوع الحاجة، وهذا يمكن أن يعم كما قال بعض أهل العلم.
رابعًا: إن ما ورد سابقا لا ينطبق على معظم الصور التي تؤخذ الآن عن طريق حبس الظل بالكاميرات أو صور التليفونات وغيرها التي لها ظل كالنقوش في الحوائط وعلى الورق، والصور التي توجد في الملابس والستور، والصور الفوتوجرافية، فهذه كلها جائزة عند جمهور المفتين، ودليلها ما روته عائشة قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا». فلو كان حرامًا مطلقًا لما تركه، وكذلك قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بالعلة وهي تذكيره بالدنيا وهي ليست علة محرمة. ومنه أيضا ما جاء في صحيح البخاري عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ». قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صور، فقلت لعبيد الله، ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ. والرَّقْمُ هو الصورة المرسومة أو المطبوعة. فدل على الاستثناء.
وعليه: فإن اتخاذ هذا النوع من الصور والاحتفاظ به وتعليقه في مكان جائز بالنص، ولا يمتنع إلا إذا صاحبه تعظيم يؤدي إلى الشرك.
وأما حديث عدم دخول الملائكة فقد فصلنا فيه القول في فتوانا حول أحكام الكلب، فلتراجع ثمة. هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر