(ف66) ما هو تعريف الخشوع في الصلاة؟

تتعدد معاني لفظ الخشوع على حسب الجهة المعرفة:
١- من جهة اللغة: هو الخضوع والاستكانة والتذلل؛ قاله ابن فارس وابن منظور والفيروزآبادي؛ قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}[الغاشية: 2] أي ذليلة خاضعة.
٢- من جهة اصطلاح أهل التفسير والفقه: هو حالة من الخضوع في القلب يظهر أثرها على الجوارح، فالخشوع وإن كان عملًا قلبيًّا في الأساس إلا أنه لا بد أن ينعكس في الأفعال، وقد نبه البعض على هذا التوفيق بين القلب والجارحة، كما ورد عن حُذيفة قال: “إياكم وخشوع النفاق”. قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: “أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع”.
٣- أما في اصطلاح أهل الحقيقة: فصورته في البدايات: خضوع الجوارح في الطاعات، وفي الأبواب: انكسار في النفس، وفِي المعاملات: تحاقر ينشأ من الوقوف على آفات النفس، وفي الأخلاق: خمود نار الطبيعة ورؤية فضل كل ذي فضل من الخلق، وفي الأحوال: إذعان لحكم الحال، وفي الولاية: الفناء لبلوغ الغاية في الصفاء، وفي الحقائق: انمحاء صفات العبد في صفات الحق، وفي النهايات: التجرد عن البقية واعتبار الإثنينية.
وعليه فالخشوع عند أهل الحقيقة: هي حالة من الخضوع والتذلل في القلب تترجم في الأعضاء والجوارح بخشوع العين عدم التلفت، وخشوع اليد عدم الحركة إلا فيما هو للصلاة، وخشوع الجسد: الاستقامة في إقامة الواجب من قيام وركوع وسجود وغيرها، وخشوع القلب والروح: الفناء والمغيب عن عالم المادة إلى عالم الروح.
ومثاله قصة التابعي الجليل عروة بن الزبير رضي الله عنه، أصيب بمرض في ساقه قرر معه الطبيب ألا علاج لها إلا بالبتر، فطلب منه أن يشرب نبيذًا يسكره حتى لا يشعر بألم البتر، فما كان منه إلا أن رفض وقال للطبيب: إذا دخلت في الصلاة وجلست لقراءة التشهد فاقطعوا ساقي، فإني عندما أكون بين يدي الله لا يكون في قلبي إلا هو تبارك وتعالى.
فهذا نموذج من النماذج العالية في الخشوع وهو فناء عالم الجسد في عالم الروح، وهذه مرتبة لا يصل إليها إلا من اصطفاه الله، فالخشوع بهذا الاعتبار حالة نفسية تنعكس على أفعال الجوارح نشعر فيها بأقصى درجات القرب من الله.
٤- لأهمية الخشوع فهو أول ما يرفع من أعمال العباد كما ورد في حديث البخاري وأحمد وغيرهما عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ يَوْمٍ، فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانُ الْعِلْمِ أَنْ يُرْفَعَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: أَيُرْفَعُ الْعِلْمُ يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِينَا كِتَابُ اللهِ، وَقَدْ عَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»، ثُمَّ ذَكَرَ ضَلاَلَةَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا مَا عِنْدَهُمَا مِنْ كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ. فَلَقِيَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بِالْمُصَلَّى، فَحَدَّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا رَفْعُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ أَدْرِي، قَالَ: ذَهَابُ أَوْعِيَتِهِ، قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي أَيُّ الْعِلْمِ أَوَّلُ أَنْ يُرْفَعَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ أَدْرِى، قَالَ: الْخُشُوعُ، حَتَّى لاَ تَكَادَ تَرَى خِاشَعًا.
وبصورة مبسطة فالخشوع في أبسط صوره يستلزم ثلاثة أمور:
– حضور الذهن في كل ما نقول ونفعل من أعمال الصلاة.
– فعل ذلك باستكانة واستقرار.
– استحضار جلال الله فيما نقول ونفعل.
المفتي: د خالد نصر