(ف75) هل ممكن أن تبين الفرق بين فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم؟ ولماذا فرق بينها في الدعاء مع أن الظاهر أنها لها نفس المعنى؟

أولًا: الكلمات المسئول عنها وردت في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى رضي الله عنه؛ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا كاَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». والحديث رواه النسائي في السنن الكبرى وابن أبي شيبة في المصنف والطبراني والبيهقي وغيرهم.
ثانيا: فطرة الإسلام: هي التوحيد الخالص لله، وذلك تبعا للميثاق الأول الذي أخذه الله على الناس؛ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}[الأعراف: 172]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم: 30] فالفطرة هي الأصل وهو حصول التوحيد والإسلام.
وعليه: فإن مات الإنسان قبل التكليف والتمييز فهو على أصل الفطرة، وقال بعض العلماء: إن الفطرة معناها الاستعداد الجبلي لقبول الحق وتمييز الصواب من الخطأ، وهذا يتسق مع كلام المعتزلة في التحسين والتقبيح العقلي؛ فالفطرة تدل على أن القتل قبيح والغصب قبيح، وهي أيضًا تدل على أن الصدق حسن وتأتي الأديان لتذكر بهذا، فعلى هذا تكون فطرة الإسلام هي الاستعداد الجبلي لتمييز الصواب من الخطأ.
أما كلمة الإخلاص فهي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد ألف فيها ابن رجب رحمه الله كتابا سماه: “كلمة الإخلاص وتحقيق معناها” وقد أخذت من تسمية سورة قل هو الله أحد؛ لأن فيها معنى الوحدانية المطلقة.
أما الفرق بين الفطرة وكلمة الإخلاص فإن الفطرة استعداد وتركيب يولد الإنسان به، أما كلمة الإخلاص فاعتقاد وتعبير يسلكه الإنسان، فالفطرة مبتدأ والكلمة مسلك ومنتهى، الفطرة في القلب وترجمتها الأفعال، والكلمة باللسان وأصلها في الجنان، فمن اعتقد ولم ينطق كان مرجئًا، ومن نطق ولم يعتقد كان منافقًا، ولذا فنحن ندعو بهما معًا: تصديق الجنان وقول اللسان وفعل الأركان.
أما عن الفرق بين الدين والملة فأقول :
أولًا: ترد كلمة الدين في القرآن على معانٍ منها:
– الدين بمعنى التوحيد؛ قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر: 2]. أي التوحيد.
– التوحيد بمعنى الحساب؛ قال تعالى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ}[الصافات: 20]. أي يوم الحساب.
– الدين بمعنى الحكم والشريعة؛ قال تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ}[يوسف: 76]. أي في حكمه وشريعته.
– الدين بمعنى الملة؛ قال تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5]. أي الملة المستقيمة بدلالة التأنيث في الوصف.
– الدين بمعنى ما يدين به العباد؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ}[التوبة: 33].
والدين في الأصل هو العادة وما يدين به الناس اعتقادًا وعملًا وهو أوسع مجالًا إذ يطلق على الحق وعلى الباطل؛ قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون: 6]. فسمى عباداتهم دينًا.
وهو أيضًا يشمل أصول الشرائع وفروعها؛ فالتوحيد من الدين والصلاة من الدين وحسن الخلق من الدين وهكذا.
ثانيا: الملة تعددت تعريفاتها ومنها:
– أصل التوحيد والتقديس الذي تتفق فيه جميع الشرائع.
– الملة ما شرعه الله.
– الملة هي شريعة الرسول خاصة.
– الملة هي ما يوحيه الملك للنبي.
ومن هنا يتبين أن الملة والدين بينهما عموم وخصوص؛ فالملة إن كانت هي الاعتقاد فهي جزء من الدين إذ الدين اعتقاد وشريعة وممارسة.
ثالثًا: الفرق بين الملة والدين:
– وردت كلتا الكلمتين في القرآن ولكن نلاحظ أن خصوصية في كلمة الملة؛ فالدين ينسب لله وللنبي وللناس، على حين أن الملة تنسب للنبي والنَّاس فقط، فلا يقال: ملة الله، بل دين الله؛ قال تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}[الأنفال: 39]. نسبه إلى الله. {وَلِيَ دِينِ} نسبه للرسول، {لَكُمْ دِينُكُمْ} نسبه للناس، وقال في الملة: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج: 78] نسبه للنبي، {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}[الأعراف: 88] نسبه للناس.
– وردت كذلك آية في سورة البينة تشير إلى الملة والدين على أنهما أمران بينهما عموم وخصوص؛ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5]. فدين القيمة هو الملة بدلالة التأنيث، على حين أن العبادة والإخلاص والصلاة والزكاة هي الدين الحنيف.
وعليه فنقول: إن المقصود في الحديث أن المسلم يقر بأنه أصبح على شريعة النبي التفصيلية الخاصة بأهل الإسلام، وذلك في قوله: وعلى دين نبينا محمد. وكذلك يقر بالإصباح على أصل الأديان مجتمعة، وهو التوحيد وصحة الاعتقاد الذي جاء به إبراهيم وهو أصل الأديان، وذلك في قوله: وعلى ملة أبينا إبراهيم.
هذا، وفي الحديث معان أخرى أعرضنا عن التفصيل فيها خشية الإطالة.
المفتي: د خالد نصر