(ف88) نظرًا لأن الكثير منا يرى في صلاة العصر هي الصلاة الوسطى نريد منكم التوضيح لماذا لم تذكر و تخصص في القرآن؟

أولًا: جاء لفظ الصلاة الوسطى في القرآن وفي السنة، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: 238] . وورد في السنة الصحيحة، كما رواه مسلم وغيره في غزوة الخندق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ».
ثانيًا: اختلف العلماء في تحديد كنه الصلاة الوسطى على أقوال كثيرة منها:
١- أنها صلاة الصبح: وهذا ما روي عن الإمام مالك والشافعي وغيرهم، واستدلوا له بما روي عن ابن عباس، أنه صلى الغداة في مسجد البصرة، فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: وحكاه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر، وأبي أمامة، وأنس، وأبي العالية، وعبيد بن عمير، وعطاء، ومجاهد، وجابر بن زيد، وعكرمة، والربيع بن أنس. ورواه ابن جرير، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أيضا، وهو الذي نص عليه الشافعي، رحمه الله، محتجا بقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} والقنوت عنده في صلاة الصبح. ونقله الدمياطي عن عمر، ومعاذ، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة على خلاف منهم، وأبي موسى، وجابر، وأنس، وأبي الشعثاء، وطاوس، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد.
كما أن الإمام ابن جرير الطبري روى عدة روايات في تفسيره عن ابن عباس وجمع من الصحابة تقول أنها صلاة الصبح.
٢- أنها صلاة الظهر: واستدل أصحاب هذا الرأي بما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت قال:” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}”. وقال: “إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين”. وكذلك روى الطيالسي بسنده أنهم سألوا أسامة بن زيد عن الصلاة الوسطى فقال: “هي صلاة الظهر؛ كان النبي يصليها بالهجير”.
وفي رواية الإمام أحمد عن أسامة قال: “هي الظهر; إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل الله: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ أَوْ لَأَحْرِقَنَّ بُيُوتَهُمْ»”.
٣- وقيل: إنها صلاة العصر. قال الترمذي والبغوي، رحمهما الله: وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم. وقال القاضي الماوردي: وهو قول جمهور التابعين. وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر. وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: هو قول جمهور الناس. وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى: ” كشف المغطى، في تبيين الصلاة الوسطى “: وقد نصر فيه أنها العصر، وحكاه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي أيوب، وعبد الله بن عمرو، وسمرة بن جندب، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة. وعن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة على الصحيح عنهم. وبه قال عبيدة، وإبراهيم النخعي، وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، والحسن، وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وعبيد بن أبي مريم، وغيرهم وهو مذهب أحمد بن حنبل. قال القاضي الماوردي: والشافعي. قال ابن المنذر: وهو الصحيح عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، واختاره ابن حبيب المالكي، رحمهم الله. واستدل هؤلاء بأدلة منها:
ما رواه الشيخان وأصحاب السنن والإمام أحمد بطرق متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا». ثم صلاها بين العشاءين: المغرب والعشاء.
وكذلك ما رواه أحمد بسنده عن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ». وكذلك الحديث الذي رواه أحمد ومسلم بسنديهما عن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا، قالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فآذني. فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتكون الزيادة هنا على سبيل التفسير.
٤- أنها صلاة المغرب: رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب، وحُكِيَ أيضا عن قتادة على اختلاف عنه. قال ابن كثير في تفسيره: ووجه هذا القول بعضهم بأنها: وسط في العدد بين الرباعية والثنائية، وبأنها وتر المفروضات، وبما جاء فيها من الفضيلة.
٥- أنها صلاة العشاء: اختاره الواحدي في التفسير.
٦- قيل: إنها غير معينة وأنها واحدة من الصلوات الخمس وأبهمت فيهن، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر. ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب، وشريح القاضي، ونافع مولى ابن عمر، والربيع بن خثيم، ونقل أيضا عن زيد بن ثابت، واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته.
وقد علل الفخر الرازي بقوله: وإنما أريد إبهامها، كما أبهمت ليلة القدر في شهر رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة، والاسم الأعظم في أسماء الله تعالى، ووقت الموت على المكلف ; ليكون في كل وقت مستعدا، وكذا أبهمت الليلة التي ينزل فيها من السماء وباء ليحذرها الناس، ويعطوا الأهبة دائما، وكذا وقت الساعة استأثر الله بعلمه ; فلا تأتي إلا بغتة.
7- قيل إنها أيضا:
– صلاة الجمعة
– صلاة الوتر
– صلاة الجماعة
والذي نرجحه: هو ما ذهب إليه السادة الأحناف وغيرهم من جماهير الأئمة أنها صلاة العصر؛ وذلك لورود الأدلة التي تنص على كون العصر هي الصلاة الوسطى، وكذلك ما ورد في التنبيه على صلاة العصر .
ومنها: ما ورد في الحديث الصحيح، من رواية الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». وفي الصحيح عن بريدة بن الحصيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
وإن كان ما ذهب إليه الفخر الرازي رحمه الله –وهي أنها مبهمة غير معينة- وجها معتبرا.
هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر