هذا سؤال يكثر دورانه الآن بسبب انتشار هذه الوسائل ورخصها نسبيًّا وحاجة اكثر النساء له بما يمكن أن يعتبر في المصطلح الفقهي (ما تعم به البلوى)، وأنا سأرتب الإجابة في نقاط دون التوسع في ذكر الأدلة إذ نحن بصدد فتوى وليس بحثًا.
أولًا: عورة المرأة المسلمة مع الرجل الأجنبي:
الرجل الأجنبي هو كل من لا يحل للمرأة الزواج منه تأبيدًا او تأقيتًا، وهو بهذا يشمل المسلم وغير المسلم، وقد اختلف العلماء في عورة المرأة مع هذا النوع:
– ذهب جمهور الفقهاء من أهل المذاهب في الأقوى عندهم أن عورة المرأة هي جميع الجسد ما عدا الوجه والكفين، وزاد الأحناف القدمين، وزاد أبو يوسف من الأحناف الذراعين لأنهما يظهران بالمهنة عادة، وهذا ما نختاره ونفتي به في العموم.
– وذهب بعض أهل المذاهب وبعض الحنابلة إلى أن عورة المرأة المسلمة مع الرجال الأجانب هي كل الجسد، ولا يجوز أن يظهر منها شيء لهم إلا ما تحتاجه للنظر.
– استثنى العلماء من الجمهور المرأة شديدة الجمال مظنة الفتنة فأوجبوا عليها تغطية الوجه أيضًا، لا على سبيل الفرض وإنما من باب سد الذريعة.
– واستثنى الحنابلة ومن معهم من رأيهم المرأة العجوز القاعد فأجازوا لها أن تتخفف من بعض ثيابها لأمن الفتنة.
ثانيا: عورة المرأة المسلمة مع النساء المسلمات:
اختلف الفقهاء أيضا في هذه المسألة، ونستطيع أن نلخص آراءهم في الآتي:
– مذهب جمهور العلماء وهو الراجح عند الأحناف والمشهور عند المالكية المعتمد عند الشافعية وهو أيضا قول للحنابلة، أن عورة المسلمة مع المسلمة هي من السرة إلى الركبة كعورة الرجل مع الرجل في القول الأشهر، وعليه: فلها أن ترى من أختها الشعر واليدين والأرجل والثدي؛ قال الإمام الكاساني من أئمتنا الأحناف:
فكل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من الرجل يحل للمرأة ان تنظر إليه من المرأة…. فتنظر إلى سائر جسدها إلا ما بين السرة والركبة. (بدائع الصنائع).
وقال الإمام الحطاب الرعيني المالكي: وأما حكمها مع النساء فالمشهور أنها كحكم الرجل مع الرجل. (مواهب الجليل).
وقال الخطيب الشربيني الشافعي: والمرأة مع المرأة كرجل مع رجل… فيجوز النظر مع الأمن إلى ما بين السرة والركبة ويحرم مع الشهوة وخوف الفتنة. (مغني المحتاج).
وقال الإمام المرداوي الحنبلي: وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما بين السرة والركبة. (الإنصاف).
– أما الرأي الثاني فمنسوب للإمام أبي حنيفة وهو رأي مرجوح في المذهب: أن المرأة المسلمة مع المسلمة كحالها مع الرجال المحارم فلا يرين منها إلا الوجه والكفين والقدمين والرأس والصدر والساقين والعضدين، أما البطن والظهر والفخذ فلا.
– والرأي الثالث وهو رأي الحنابلة في رواية وابن حزم: أن عورة المرأة المسلمة مع المسلمة هي العورة المغلظة فقط وهي ( القبل والدبر ) قياسًا عندهم على عورة الرجل مع الرجل في مذهبهم.
ثالثا: عورة المسلمة مع النساء غير المسلمات:
اختلف العلماء من أهل المذاهب في هذا النوع أيضا وتفصيل مذاهبهم كالآتي:
– مذهب الأحناف والمالكية والأصح عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، أن عورة المسلمة مع غير المسلمة كعورتها مع الرجال الأجانب على التفصيل الذي ذكرناه؛ فغير المسلمة ترى منها فقط الوجه والكفين والقدمين عند الأحناف، والوجه والكفين عند الباقي.
– قال الإمام ابن عابدين من أئمتنا: ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة. (حاشية ابن عابدين).
– وقال العدوي المالكي: والحاصل أن عورة الحرة المسلمة مع الكافرة غير أمتها جميع جسدها إلا وجهها وكفيها. (حاشية العدوي).
– وقال الرملي الشافعي: والأصح تحريم نظر كافرة ذمية أو غيرها إلى مسلمة، فيلزم المسلمة الاحتجاب منها.
– الرأي الثاني: أن عورة المسلمة مع غير المسلمة كعورتها مع المسلمة فيجوز لها أن ترى منها كل الجسد ما عدا بين السرة والركبة، وهذا رأي الحنابلة، وذكر الفخر الرازي أنه المذهب عند الشافعية.
– قال المرداوي: وأما الكافرة مع المسلمة فالصحيح من المذهب أن حكمها حكم المسلمة مع المسلمة. (الإنصاف).
– الرأي الثالث: هو قياس رأي الإمام أحمد كما قال ابن قدامة، ومفاده أن عورة المسلمة مع غير المسلمة هي العورة المغلظة فقط وهي القبل والدبر قياسًا على الرجل مع الرجل في مذهبه.
– قال ابن قدامة: ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد – أي تولدها-. (المغني).
مما سبق وذكرناه نستطيع أن نخلص للآتي:
أن مذهب الحنابلة ومعهم الظاهرية من المذاهب التي تساهلت في تحديد عورة المرأة المسلمة مع غيرها مع النساء، وأنها اعتبرت فيها العورة المغلظة، وهي القبل والدبر على حين أن الجمهور كان أكثر تحفظا في هذا، لا سيما مع غير المسلمة، ولكل أدلته وإن كنّا نرى أن مذهب الحنابلة أكثر واقعية وقربا إلى روح النصوص وأكثر تيسيرًا على النساء المسلمات في كثير من الأبواب.
القضية الثانية التي سنناقشها قبل الانتهاء إلى رأي وهي مسألة تقسيم حاجات الناس جملة، وأقول: إن مطالب البشر على حسب تقسيم الشرع تنقسم إلى:
١- ضروريات: والأصل فيها أنها ما لا تقوم الحياة بدونها، كالمضطر للأكل الذي لا يجد ما تقوم به حياته فيضطر إلى أكل الميتة، وهو في هذه الحالة إذا وصل إلى حد الضرورة فإنه يستبيح ما حُرم بالنص.
٢- الحاجيات: تقوم الحياة بدونها لكن مع مشقة شديدة تلحق المكلف، ومثله الحاجة إلى السيارة للذهاب للعمل والحاجة إلى مسكن.
٣ -التحسينيات والكماليات: لا تمس إليها الحاجة، وتقوم الحياة بدونها، وإذا فُقدت ما تأثرت حياة المكلف، وذلك كشراء وسائل الترفيه وتجديد السيارة والأساس المنزلي.
هذا أصل عام متفق عليه، ولكن ما يجب أن نبينه أن الحدود الفاصلة بين هذه الأقسام تتداخل وتختلف باختلاف المكلف، فما كان في زمن تحسينيًّا لعله صار الآن حاجيًّا، ونعطي له مثلا: خدمة الإنترنت إذا نظرنا إليها مجردة اعتبرناها تحسينيًّا لأن حياة الإنسان لا تتعلق بها، وكذلك لا يقع بفقدانها مشقة لكثير من الناس، ومع ذلك في البعض الآخر صارت حاجة لأن عملهم وتواصلهم مع الآخرين يتوقف عليها، وذلك كمن يعمل في عمل يتوقف على الاتصال، كما أنها صارت جزءا من وسائل نشر الدعوة وإيصال العلم فانتقلت من باب التحسين لباب الحاجة، ولعلها تكون في بعض الحالات ضرورة.
وإذا طبقنا هذا على موضوع السؤال نجد أن إزالة الشعر الزائد المندوب إزالته أو حتى المباح وإن بدا أنه من باب التحسينيات في كثير من حالاته إلا أنه بضم بعض الاعتبارات قد يكون حاجة وذلك مثل:
– إزالته تجملا للأزواج.
– كثرته المرهقة وتبشعه.
– ظهوره في مواضع تمتنع على المرأة عادة.
– وقوع الحرج والشدة بإزالته بالطرق العادية، وذلك كالحلاقة مثلا مما يستتبع ظهور جروح وتقرحات والتعرض للعدوى مع ما يخلفه من آثار على لون الجلد. فهذه الأشياء ونظائرها ترفع درجة إزالة الشعر بطريقة معينة من درجة التحسين لدرجة الحاجة، ليس هذا فقط فإن الحاجة إذا اشتدت ألحقت عند أهل العلم حكمًا بالضرورة.
إذا نظرنا إلى كل ما سبق نجد أن إزالة شعر جسد المرأة الذي جاء الشرع بجوازه يختلف باختلاف الموضع وتفصيله كالآتي:
١ – أن يكون الشعر في مكان ليس بعورة كالوجه واليدين: وهذا يجوز الاستعانة فيه بالنساء مسلمات وغير مسلمات من أهل الأمانة.
ولا يجوز الاستعانة بالرجل لأنه وإن جاز له النظر لما ليس بعورة إلا أنه لا يجوز له اللمس.
٢- أن يكون الشعر في مكان مما اختلف فيه العلماء هل هو عورة أم ليس بعورة: وهذا يشمل كل جسد المرأة عدا القبل والدبر، فهذا يجوز على رأي من قال بتحديد العورة بالقبل والدبر فقط، فيجوز على مذهبهم إزالة شعر الجسد جملة ما عدا القبل والدبر وذلك بمعاونة امرأة مسلمة أو غير مسلمة من أهل الأمانة، ويجوز أيضا عند غيرهم إن كان هناك ضرورة أو حاجة تلحق بالضرورة، وذلك أن تحتاج لإزالة الشعر لأجل الاستشفاء أو ما شابه بالشرط السابق.
٣- أما ما يخص منطقة الفَرْجين فالأكثر على منعه لأنه لا حاجة تدعو إليه، وهذا ما عليه أكثر المفتين.
والذي نراه أنه قد يجوز أيضا إذا دعت إليه الحاجة؛ كأن يكون للرجل أو المرأة شعر كثيف يصعب إزالته بالطرق العادية، أو ما ينتج عن إزالته آلام شديدة أو أمراض أو تقرحات أو عجز عن إزالته بنفسه. وهذا الذي قلناه لسنا فيه بدعًا بل ذهب إليه بعض أئمة الحنابلة، فقد نقل ذلك ابن مفلح في (الفروع) وجعل من الأعذار المبيحة لكشف العورة: حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه. وأشار إليه بعض فقهاء الشافعية؛ قال الشربيني الخطيب في (مغني المحتاج): واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فرج، للحاجة الملجئة إلى ذلك; لأن في التحريم حينئذ حرجا.
والحق أننا نقيس ذلك على ما يقع عادة في عيادات أمراض النساء ففي الأغلب يحتاج من يوقع الكشف إلى الاطلاع على مواطن العورة مع أن وجود المرض أمر ظني، وكذلك حالات الكشف على البروستات وفيها ما فيها من إدخال إصبع المعالج في الدبر مع أن المرض ظني، وفي كثير من الحالات لا يكون ثمة مرض، وإنما هو من باب الوقاية السابقة. ومثله حالات الكشف الدورية على النساء الحوامل مع ما فيها من كشف للعورة في الأعم الأغلب، وهذا ليس بضرورة إذ ليس ثمة مرض وإنما هو من باب المتابعة. وغير ذلك من المسائل المشابهة التي لا يكون فيها ضرورة أو حاجة ظاهرة.
وعليه فأقول للسائل: إن ما سأل عنه يجوز بالشروط الآتية:
١- أن يكون من يقوم به امرأة مأمونة إذ الاختلاف فيها وليس في الرجل، والعورات ليست درجة واحدة كما قال العز بن عبد السلام (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، فالنظر من الرجل غير النظر من المرأة، والنظر للرجل غير النظر للفرج.
٢- ألا يكون هناك بديل آمن.
٣- ألا يزال بهذه الوسيلة إلا ما أجازه الشرع، فلا يزال به شعر الرأس أو شعر الحاجبين جملة بحيث لا يبقى منهما شيء، أما إزالة بعضه أو استعماله في التحديد (التزجيج) فعندنا جائز ولا تنصرف أدلة المنع إليه. هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
أولًا: عورة المرأة المسلمة مع الرجل الأجنبي:
الرجل الأجنبي هو كل من لا يحل للمرأة الزواج منه تأبيدًا او تأقيتًا، وهو بهذا يشمل المسلم وغير المسلم، وقد اختلف العلماء في عورة المرأة مع هذا النوع:
– ذهب جمهور الفقهاء من أهل المذاهب في الأقوى عندهم أن عورة المرأة هي جميع الجسد ما عدا الوجه والكفين، وزاد الأحناف القدمين، وزاد أبو يوسف من الأحناف الذراعين لأنهما يظهران بالمهنة عادة، وهذا ما نختاره ونفتي به في العموم.
– وذهب بعض أهل المذاهب وبعض الحنابلة إلى أن عورة المرأة المسلمة مع الرجال الأجانب هي كل الجسد، ولا يجوز أن يظهر منها شيء لهم إلا ما تحتاجه للنظر.
– استثنى العلماء من الجمهور المرأة شديدة الجمال مظنة الفتنة فأوجبوا عليها تغطية الوجه أيضًا، لا على سبيل الفرض وإنما من باب سد الذريعة.
– واستثنى الحنابلة ومن معهم من رأيهم المرأة العجوز القاعد فأجازوا لها أن تتخفف من بعض ثيابها لأمن الفتنة.
ثانيا: عورة المرأة المسلمة مع النساء المسلمات:
اختلف الفقهاء أيضا في هذه المسألة، ونستطيع أن نلخص آراءهم في الآتي:
– مذهب جمهور العلماء وهو الراجح عند الأحناف والمشهور عند المالكية المعتمد عند الشافعية وهو أيضا قول للحنابلة، أن عورة المسلمة مع المسلمة هي من السرة إلى الركبة كعورة الرجل مع الرجل في القول الأشهر، وعليه: فلها أن ترى من أختها الشعر واليدين والأرجل والثدي؛ قال الإمام الكاساني من أئمتنا الأحناف:
فكل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من الرجل يحل للمرأة ان تنظر إليه من المرأة…. فتنظر إلى سائر جسدها إلا ما بين السرة والركبة. (بدائع الصنائع).
وقال الإمام الحطاب الرعيني المالكي: وأما حكمها مع النساء فالمشهور أنها كحكم الرجل مع الرجل. (مواهب الجليل).
وقال الخطيب الشربيني الشافعي: والمرأة مع المرأة كرجل مع رجل… فيجوز النظر مع الأمن إلى ما بين السرة والركبة ويحرم مع الشهوة وخوف الفتنة. (مغني المحتاج).
وقال الإمام المرداوي الحنبلي: وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما بين السرة والركبة. (الإنصاف).
– أما الرأي الثاني فمنسوب للإمام أبي حنيفة وهو رأي مرجوح في المذهب: أن المرأة المسلمة مع المسلمة كحالها مع الرجال المحارم فلا يرين منها إلا الوجه والكفين والقدمين والرأس والصدر والساقين والعضدين، أما البطن والظهر والفخذ فلا.
– والرأي الثالث وهو رأي الحنابلة في رواية وابن حزم: أن عورة المرأة المسلمة مع المسلمة هي العورة المغلظة فقط وهي ( القبل والدبر ) قياسًا عندهم على عورة الرجل مع الرجل في مذهبهم.
ثالثا: عورة المسلمة مع النساء غير المسلمات:
اختلف العلماء من أهل المذاهب في هذا النوع أيضا وتفصيل مذاهبهم كالآتي:
– مذهب الأحناف والمالكية والأصح عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، أن عورة المسلمة مع غير المسلمة كعورتها مع الرجال الأجانب على التفصيل الذي ذكرناه؛ فغير المسلمة ترى منها فقط الوجه والكفين والقدمين عند الأحناف، والوجه والكفين عند الباقي.
– قال الإمام ابن عابدين من أئمتنا: ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة. (حاشية ابن عابدين).
– وقال العدوي المالكي: والحاصل أن عورة الحرة المسلمة مع الكافرة غير أمتها جميع جسدها إلا وجهها وكفيها. (حاشية العدوي).
– وقال الرملي الشافعي: والأصح تحريم نظر كافرة ذمية أو غيرها إلى مسلمة، فيلزم المسلمة الاحتجاب منها.
– الرأي الثاني: أن عورة المسلمة مع غير المسلمة كعورتها مع المسلمة فيجوز لها أن ترى منها كل الجسد ما عدا بين السرة والركبة، وهذا رأي الحنابلة، وذكر الفخر الرازي أنه المذهب عند الشافعية.
– قال المرداوي: وأما الكافرة مع المسلمة فالصحيح من المذهب أن حكمها حكم المسلمة مع المسلمة. (الإنصاف).
– الرأي الثالث: هو قياس رأي الإمام أحمد كما قال ابن قدامة، ومفاده أن عورة المسلمة مع غير المسلمة هي العورة المغلظة فقط وهي القبل والدبر قياسًا على الرجل مع الرجل في مذهبه.
– قال ابن قدامة: ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد – أي تولدها-. (المغني).
مما سبق وذكرناه نستطيع أن نخلص للآتي:
أن مذهب الحنابلة ومعهم الظاهرية من المذاهب التي تساهلت في تحديد عورة المرأة المسلمة مع غيرها مع النساء، وأنها اعتبرت فيها العورة المغلظة، وهي القبل والدبر على حين أن الجمهور كان أكثر تحفظا في هذا، لا سيما مع غير المسلمة، ولكل أدلته وإن كنّا نرى أن مذهب الحنابلة أكثر واقعية وقربا إلى روح النصوص وأكثر تيسيرًا على النساء المسلمات في كثير من الأبواب.
القضية الثانية التي سنناقشها قبل الانتهاء إلى رأي وهي مسألة تقسيم حاجات الناس جملة، وأقول: إن مطالب البشر على حسب تقسيم الشرع تنقسم إلى:
١- ضروريات: والأصل فيها أنها ما لا تقوم الحياة بدونها، كالمضطر للأكل الذي لا يجد ما تقوم به حياته فيضطر إلى أكل الميتة، وهو في هذه الحالة إذا وصل إلى حد الضرورة فإنه يستبيح ما حُرم بالنص.
٢- الحاجيات: تقوم الحياة بدونها لكن مع مشقة شديدة تلحق المكلف، ومثله الحاجة إلى السيارة للذهاب للعمل والحاجة إلى مسكن.
٣ -التحسينيات والكماليات: لا تمس إليها الحاجة، وتقوم الحياة بدونها، وإذا فُقدت ما تأثرت حياة المكلف، وذلك كشراء وسائل الترفيه وتجديد السيارة والأساس المنزلي.
هذا أصل عام متفق عليه، ولكن ما يجب أن نبينه أن الحدود الفاصلة بين هذه الأقسام تتداخل وتختلف باختلاف المكلف، فما كان في زمن تحسينيًّا لعله صار الآن حاجيًّا، ونعطي له مثلا: خدمة الإنترنت إذا نظرنا إليها مجردة اعتبرناها تحسينيًّا لأن حياة الإنسان لا تتعلق بها، وكذلك لا يقع بفقدانها مشقة لكثير من الناس، ومع ذلك في البعض الآخر صارت حاجة لأن عملهم وتواصلهم مع الآخرين يتوقف عليها، وذلك كمن يعمل في عمل يتوقف على الاتصال، كما أنها صارت جزءا من وسائل نشر الدعوة وإيصال العلم فانتقلت من باب التحسين لباب الحاجة، ولعلها تكون في بعض الحالات ضرورة.
وإذا طبقنا هذا على موضوع السؤال نجد أن إزالة الشعر الزائد المندوب إزالته أو حتى المباح وإن بدا أنه من باب التحسينيات في كثير من حالاته إلا أنه بضم بعض الاعتبارات قد يكون حاجة وذلك مثل:
– إزالته تجملا للأزواج.
– كثرته المرهقة وتبشعه.
– ظهوره في مواضع تمتنع على المرأة عادة.
– وقوع الحرج والشدة بإزالته بالطرق العادية، وذلك كالحلاقة مثلا مما يستتبع ظهور جروح وتقرحات والتعرض للعدوى مع ما يخلفه من آثار على لون الجلد. فهذه الأشياء ونظائرها ترفع درجة إزالة الشعر بطريقة معينة من درجة التحسين لدرجة الحاجة، ليس هذا فقط فإن الحاجة إذا اشتدت ألحقت عند أهل العلم حكمًا بالضرورة.
إذا نظرنا إلى كل ما سبق نجد أن إزالة شعر جسد المرأة الذي جاء الشرع بجوازه يختلف باختلاف الموضع وتفصيله كالآتي:
١ – أن يكون الشعر في مكان ليس بعورة كالوجه واليدين: وهذا يجوز الاستعانة فيه بالنساء مسلمات وغير مسلمات من أهل الأمانة.
ولا يجوز الاستعانة بالرجل لأنه وإن جاز له النظر لما ليس بعورة إلا أنه لا يجوز له اللمس.
٢- أن يكون الشعر في مكان مما اختلف فيه العلماء هل هو عورة أم ليس بعورة: وهذا يشمل كل جسد المرأة عدا القبل والدبر، فهذا يجوز على رأي من قال بتحديد العورة بالقبل والدبر فقط، فيجوز على مذهبهم إزالة شعر الجسد جملة ما عدا القبل والدبر وذلك بمعاونة امرأة مسلمة أو غير مسلمة من أهل الأمانة، ويجوز أيضا عند غيرهم إن كان هناك ضرورة أو حاجة تلحق بالضرورة، وذلك أن تحتاج لإزالة الشعر لأجل الاستشفاء أو ما شابه بالشرط السابق.
٣- أما ما يخص منطقة الفَرْجين فالأكثر على منعه لأنه لا حاجة تدعو إليه، وهذا ما عليه أكثر المفتين.
والذي نراه أنه قد يجوز أيضا إذا دعت إليه الحاجة؛ كأن يكون للرجل أو المرأة شعر كثيف يصعب إزالته بالطرق العادية، أو ما ينتج عن إزالته آلام شديدة أو أمراض أو تقرحات أو عجز عن إزالته بنفسه. وهذا الذي قلناه لسنا فيه بدعًا بل ذهب إليه بعض أئمة الحنابلة، فقد نقل ذلك ابن مفلح في (الفروع) وجعل من الأعذار المبيحة لكشف العورة: حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه. وأشار إليه بعض فقهاء الشافعية؛ قال الشربيني الخطيب في (مغني المحتاج): واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فرج، للحاجة الملجئة إلى ذلك; لأن في التحريم حينئذ حرجا.
والحق أننا نقيس ذلك على ما يقع عادة في عيادات أمراض النساء ففي الأغلب يحتاج من يوقع الكشف إلى الاطلاع على مواطن العورة مع أن وجود المرض أمر ظني، وكذلك حالات الكشف على البروستات وفيها ما فيها من إدخال إصبع المعالج في الدبر مع أن المرض ظني، وفي كثير من الحالات لا يكون ثمة مرض، وإنما هو من باب الوقاية السابقة. ومثله حالات الكشف الدورية على النساء الحوامل مع ما فيها من كشف للعورة في الأعم الأغلب، وهذا ليس بضرورة إذ ليس ثمة مرض وإنما هو من باب المتابعة. وغير ذلك من المسائل المشابهة التي لا يكون فيها ضرورة أو حاجة ظاهرة.
وعليه فأقول للسائل: إن ما سأل عنه يجوز بالشروط الآتية:
١- أن يكون من يقوم به امرأة مأمونة إذ الاختلاف فيها وليس في الرجل، والعورات ليست درجة واحدة كما قال العز بن عبد السلام (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، فالنظر من الرجل غير النظر من المرأة، والنظر للرجل غير النظر للفرج.
٢- ألا يكون هناك بديل آمن.
٣- ألا يزال بهذه الوسيلة إلا ما أجازه الشرع، فلا يزال به شعر الرأس أو شعر الحاجبين جملة بحيث لا يبقى منهما شيء، أما إزالة بعضه أو استعماله في التحديد (التزجيج) فعندنا جائز ولا تنصرف أدلة المنع إليه. هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر