أولا: لا بد أن نفرق بين مطلب الحياة وعمارة الأرض وبين الركون إلى ملذات الحياة وربقة متعتها.
فمطلب الحياة واجب لأن فيه معنى الاستخلاف، ومطلب العمارة واجب لأن فيه سبيل الاستخلاف؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].
وهذا الواجب مستمر من لدن آدم إلى قيام الساعة، لا يمنعه ذهاب أحد، أو أفول عصر.
ومن عمارة الأرض: عمارتها بالولد وبالبناء وبالعلم والمعرفة، وبإحياء الموات إلى غير ذلك.
وفي حديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها فليفعل»، مع أن خطب القيامة وما نحن مقدمون عليه من أشد الخطب.
ثانيا: لقد وقعت المصائب والنوازل والخطوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما كان يهدد أمة الإسلام في نشأتها، ومع ذلك راعى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدنيا لن تتوقف لفقد أو مصاب.
فقال لنا فيما أرسله الدارمي: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب».
وشاهده أيضا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ كَشَفَ سِتْرًا فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي».
فكل نازلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تهون.
ثالثا: من يرى حياة النبي والصحب الكرام والأئمة الأطهار، يرى أنهم كانوا يوازنون بين الفرح والحزن، وبين واجب اللحظة وواجب الوقت.
فمثلا: حزن النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء بئر معونة وقنت شهرًا يدعو على قاتليهم، ولكنه بعد أشهر قليلة احتفل بمولد سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام، وذبح وأطعم، بل وتزوج أيضا وأعرس.
وفي حديث أبي طلحة عند البخاري ومسلم؛ مدح النبي فعل أم سليم، وقال: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ودعا لهما بالبركة، مع أن جسد الصبي المتوفى لم يبرد في قبره.
فواجب اللحظة هو التفاعل مع ما يقع لكل المسلمين سواء في غزة -وهي محور الاهتمام وفي قلب الأمة الآن- وواجب الوقت هو استمرار الحياة، بالفعل اليومي، وبما فيه من عمل وعمارة وتناكح وتناسل وإحياء للموات وسعي.
ومن أخطر ما يهدد الأمم أن تتوقف عند لحظة معينة سواء كانت لحظة خير أو لحظة شر؛ لأن طبيعة الحياة قائمة على الدوران كما هو حال الأرض التي نعيش عليها، والتوقف يعني السقوط.
رابعًا: إن من أشد عوامل الهزيمة والخطر على هذه الأمة؛ ليس ما يفعله الصهاينة في فلسطين، أو ما فعله الروس في أفغانستان، أو ما فعله الأمريكان في العراق أو ما فعلته فرنسا في الجزائر! إنما الخطر الذي لا فواق منه هو الإصابة بالخوف أو اليأس أو الهلع، حيث إن هذه هي أدوات الشيطان في قهر الإنسان: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾ [آل عمران: 175].
فما يفعله الحزن والقنوط وفقدان الأمل أشد من قنابل العدو.
ونحن أمة التضحية منذ سمية وياسر إلى قيام الساعة، ولا بد أن نوطن أنفسنا على ذلك، قولا وفعلا، روحًا وجسدًا، وأما الأرض فـ﴿لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف: 128].
ولنتذكر أن مدنًا لنا محيت وعادت بقدر الله المقدور، ومن يراجع تاريخ حروب التتار يجد لما نحياه عزاء.
ذهب نقفور فوقاس وبقيت حلب.
ذهب ريموند صنجيل وجودفري وبقيت القدس.
ذهب هولاكو وبقيت بغداد.
بل ذهب هتلر وبقيت ستالينغراد.
وذهب جونسون وبقيت هانوي.
هذا هو حكم الله، وهذا هو واقع التاريخ.
علينا أن نحزن، ولكن لا نجزع.
علينا أن نهتم، ولكن لا نغتم.
فلا فردوس إلا فردوس السماء.
ولا خلود إلا خلود الجنة.
المفتي: د خالد نصر
فمطلب الحياة واجب لأن فيه معنى الاستخلاف، ومطلب العمارة واجب لأن فيه سبيل الاستخلاف؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].
وهذا الواجب مستمر من لدن آدم إلى قيام الساعة، لا يمنعه ذهاب أحد، أو أفول عصر.
ومن عمارة الأرض: عمارتها بالولد وبالبناء وبالعلم والمعرفة، وبإحياء الموات إلى غير ذلك.
وفي حديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها فليفعل»، مع أن خطب القيامة وما نحن مقدمون عليه من أشد الخطب.
ثانيا: لقد وقعت المصائب والنوازل والخطوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما كان يهدد أمة الإسلام في نشأتها، ومع ذلك راعى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدنيا لن تتوقف لفقد أو مصاب.
فقال لنا فيما أرسله الدارمي: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب».
وشاهده أيضا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ كَشَفَ سِتْرًا فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي».
فكل نازلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تهون.
ثالثا: من يرى حياة النبي والصحب الكرام والأئمة الأطهار، يرى أنهم كانوا يوازنون بين الفرح والحزن، وبين واجب اللحظة وواجب الوقت.
فمثلا: حزن النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء بئر معونة وقنت شهرًا يدعو على قاتليهم، ولكنه بعد أشهر قليلة احتفل بمولد سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام، وذبح وأطعم، بل وتزوج أيضا وأعرس.
وفي حديث أبي طلحة عند البخاري ومسلم؛ مدح النبي فعل أم سليم، وقال: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ودعا لهما بالبركة، مع أن جسد الصبي المتوفى لم يبرد في قبره.
فواجب اللحظة هو التفاعل مع ما يقع لكل المسلمين سواء في غزة -وهي محور الاهتمام وفي قلب الأمة الآن- وواجب الوقت هو استمرار الحياة، بالفعل اليومي، وبما فيه من عمل وعمارة وتناكح وتناسل وإحياء للموات وسعي.
ومن أخطر ما يهدد الأمم أن تتوقف عند لحظة معينة سواء كانت لحظة خير أو لحظة شر؛ لأن طبيعة الحياة قائمة على الدوران كما هو حال الأرض التي نعيش عليها، والتوقف يعني السقوط.
رابعًا: إن من أشد عوامل الهزيمة والخطر على هذه الأمة؛ ليس ما يفعله الصهاينة في فلسطين، أو ما فعله الروس في أفغانستان، أو ما فعله الأمريكان في العراق أو ما فعلته فرنسا في الجزائر! إنما الخطر الذي لا فواق منه هو الإصابة بالخوف أو اليأس أو الهلع، حيث إن هذه هي أدوات الشيطان في قهر الإنسان: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾ [آل عمران: 175].
فما يفعله الحزن والقنوط وفقدان الأمل أشد من قنابل العدو.
ونحن أمة التضحية منذ سمية وياسر إلى قيام الساعة، ولا بد أن نوطن أنفسنا على ذلك، قولا وفعلا، روحًا وجسدًا، وأما الأرض فـ﴿لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف: 128].
ولنتذكر أن مدنًا لنا محيت وعادت بقدر الله المقدور، ومن يراجع تاريخ حروب التتار يجد لما نحياه عزاء.
ذهب نقفور فوقاس وبقيت حلب.
ذهب ريموند صنجيل وجودفري وبقيت القدس.
ذهب هولاكو وبقيت بغداد.
بل ذهب هتلر وبقيت ستالينغراد.
وذهب جونسون وبقيت هانوي.
هذا هو حكم الله، وهذا هو واقع التاريخ.
علينا أن نحزن، ولكن لا نجزع.
علينا أن نهتم، ولكن لا نغتم.
فلا فردوس إلا فردوس السماء.
ولا خلود إلا خلود الجنة.
المفتي: د خالد نصر