(ع 17) 1- ما الفرق بين المسيحية والنصرانية؟ القرآن ذكر فقط النصرانية بينما ذكر المسيح (عليه السلام) .2- ما المقصود بأهل الكتاب الذين ذكرهم القرآن؟ ومن هم النصارى واليهود الحاليون؟ وهل هم المقصود بهم أهل الكتاب الذين عناهم القرآن؟


أولًا: ليس هناك فروق كثيرة بين النصرانية والمسيحية في الاستعمال العرفي، وإن كان هناك فرق في الأصل اللغوي.
فالنصرانية هي ديانة ظهرت مع سيدنا عيسى بن مريم (عليه الصلاة والسلام) وأصل النسبة فيها إلى أمور:
الأول: مدينة الناصرة موطن ميلاد السيد المسيح.
الثاني: فعل النصر، حيث النصرانية نسبة إلى نصرة السيد المسيح والإيمان به فهم نصارى بمعنى أنصار، وغلب الاسم على الديانة، وقد ورد اسم النصارى في القرآن في صورته (نصارى) وفي أصله (أنصار) .
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ…) [سورة البقرة: 62].
وقال تعالى: (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ…) [سورة آل عمران: 25].
وقد انتشر اسم النصارى بين العرب، فكان يقال: نصارى تغلب وليس مسيحيي تغلب.
أما المسيحية فهي نسبة تعود للانتساب إلى السيد المسيح (عليه الصلاة والسلام) وهو من أسماء سيدنا عيسى، والمسيح فعيل من (المسح)، وصيغة فعيل تأتي بعدة معانٍ، منها: أن الاسم بمعنى اسم الفاعل (ماسح) أو بمعنى اسم المفعول (ممسوح) .
قال الإمام الراغب الأصفهاني: المسح: إمرار اليد على الشيء، وإزالة الأثرعنه. وقيل: سُمي عيسى عليه السلام مسيحًا لكونه ماسحًا في الأرض، أي ذاهبًا فيها وقيل: سُمي مسيحًا لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ .
وقال بعضهم: عيسى بن مريم هو المسيح؛ لأنه مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشر والحرص وسائر الأخلاق الذميمة.
وقد انتشر اسم المسيحية والمسيحيين في عصر الدولة الرومانية الوثنية، وكان يستعمل في أول الأمر الاستهزاء والشتم، ثم لما تغلبت الديانة على الدولة واعتنقها الأباطرة استمرالاستعمال في الإشارة إلى الديانة التي تتبع عيسى، سواء باعتباره إلهًا أو شريكًا في الألوهية بصورة ما.
ولم ترد كلمة المسيحية في القرآن ولا في السنة.
ولكن البعض يفرق بين النصارى والمسيحيين، ويعتبر أن النصارى، هي اصطلاح إسلامي بحت يستعمل للإشارة إلى أتباع السيد المسيح، وأن التسمية الصحيحة هي المسيحية والمسيحيون، ويقول هؤلاء: إن النصارى هم جماعة من اليهود آمنوا بعيسى باعتباره رسولًا من المسيح المخلص، والذي ما زال اليهود بانتظاره، حيث هو من نسل النبي داود (الملك داود في اليهودية) يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته (يشبه المهدي المنتظر عند من يؤمن بفكرة المهدي) .
وعليه: فلا فرق بأن نطلق على أتباع الديانة التي تؤمن بالسيد المسيح (أي نوع من الإيمان كان) نصارى أو مسيحيين، فوصفهم في القرآن بالنصارى لا ينفي عنهم الأسماء الأخرى، ولا ميزة في ذكر كلمة النصارى لأصحاب الديانة، إذ هي اسم وتمييز عن غيرهم.
ثانيًا: أهل الكتاب مصطلح يطلق على اليهود والنصارى على رأي جمهور العلماء، قال تعالى: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) [سورة الأنعام: 156].
وقد خاطبهم القرآن بهذا اللفظ في آيات عدة (يا أهل الكتاب) .
وذهب البعض إلى أن مصطلح أهل الكتاب يشمل أيضًا المجوس، وقد ذكر البغوي قول سيدنا علي، حيث أنه قال: كان لهم كتاب ورفع.
والصواب ما عليه الجمهور وما رجحه ابن القيم في أحكام أهل الذمة؛ لأنه لو صح أن المجوس كان لهم كتاب ورفع، فالعرب كانوا على بقية من دين إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)، ولم يعتبروهم من أهل كتاب.
وعليه: فأهل الكتاب هم كل يهودي ونصراني (مسيحي) آمن بما عليه دينه سواء طبق هذا الدين أم لم يطبقه، كحال المسلم، فهو مسلم بالشهادتين، سواء طبق الدين أم لم يطبقه، له حقوقه وعليه واجباته.
المفتي: د خالد نصر