(ع1) هل يجوز الترحم على غير المسلمين؟ وإن كان الجواب بعدم الجواز، كيف نعلق على وفاة غير المسلمين خصوصًا من اشتهروا بكونهم أصحاب رسالة ونصرة للحق أمثال الصحفية شيرين أبو عاقلة؟

أولا: هناك فرق بين طلب المغفرة وطلب الرحمة:
أما المغفرة على الذنوب ومنها الشرك بالله فهي حق الله وكلمته السابقة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]. وقد نُهِينَا أن نطلب المغفرة من الله لمن لم يستجب لكلمته وتوحيده؛ قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]. فالحكم في أمر المغفرة موكول لله وحده.
أما طلب الرحمة فواسع متسع، يشمل حال الدنيا وحال الآخرة، والرحمة هي رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وهي بهذا المعنى تشمل الجميع، من المخلوقات؛ الحيوان والإنسان. والرحمة تكون بالطلب من الراحم، وتكون بفعل الرحمة؛ فهذا رجل دخل الجنة برحمته لكلب كما في الصحيح: «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
وبالمقابل دخلت امرأة النار بسبب الرحمة؛ فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا».
فالرحمة -طلبًا وفعلا- مندوبة للجميع ولا اعتبار للدين ولا لغيره فيها.
ثانيا: جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة بعباد الله جميعا من أبواب الصدقات؛ ففي الحديث: قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقال: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». متفق عليه. فطلب الرحمة وفعلها لكل حي مندوب مستحب.
ثالثا : أقر الله سبحانه في كتابه مبدأ عامًّا وهو قوله تعالى: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30] ، وزاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ولم يجعل النص ذلك حكرًا على المسلمين، بل ورد في صيغة العموم، ولكن ندعو له بما لم يمنعه الله عنا، ولم يرد المنع بالدعاء بالرحمة على غير المسلم.
رابعا: الرحمة أبوابها واسعة فمنها رفع المصيبة، وجلب المنفعة وتخفيف العذاب، وقد وقعت الرحمة لأبي طالب لدعمه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعذب عذاب أبي جهل أو العاص بن وائل، وإن مات الجميع على الكفر، وورد أن العذاب يخفف عن أبي لهب في كل يوم اثنين لفرحه بمولد سيد البشر.
خامسا: أما الصحفية شرين أبو عاقلة رحمها الله؛ فقد كانت صوت المظلومين، ولسان المستضعفين، وقتلت من عدو الدنيا والدين، فلن يضيع الله أجرها على ما قدمت، ولنا ظاهر الأمر والله هو الحكم العدل؛ يكافئ على القليل، فما بالنا بالكثير، ونسأله تعالى أن يعاملها بالفضل وأن يرحمها.
ولا يصح في دين العدل أن يدخل الجنةَ قاتلٌ لمجرد حمله اسمًا مسلمًا، وأن يدخل النار مظلوم مقتول وإن كان مدافعا عن شعائر الله. إذن فديننا ودين من قَتَلَ سواء!!
المفتي: د خالد نصر