(ع10) ما هو مفهوم (لا إله إلا الله)؟ وهل فقط قولها والتلفظ بها يعني فهمها؟ وهل العرب في الجاهلية رغم عدم اعتناقهم للإسلام فهموها أحسن منا؟

أولا: من جهة اللغة:
لا إله إلا الله:
(لا) نافية للجنس مبني على النصب.
(إله) اسم لا وهو المبتدأ في ذات الوقت.
(إلا) حرف استثناء.
(الله) خبر لا مرفوع.
فالجملة اشتملت على النفي والاستثناء وهذا أسلوب من أساليب الحصر، والحصر نوع من الاختصار والتوكيد كما أنه بين العلاقة بين الموضوع والمحمول كما يقول المناطقة، ونفي الجنس أبلغ من غيره في النفي إذ المعنى: لا إله مطلقا إلا المذكور، كما نقول: لا ناصر إلا فلان، فلا يتوقع النصر إلا منه.
ثانيا: من جهة المعنى:
تتكون هذه الجملة الصغيرة من قسمين: نفي وإثبات، وهما معا يؤديان المعنى ولا يحصل تمامه وكماله إلا بهما معا، فنفي الألوهية عن غير الله، وإثباتها لله، وقد أشار الله إلى هذا النفي والإثبات بصورة تفصيلية حين قال: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256]. والعروة هي كلمة التوحيد، فلا بد للموحد من طرح الشركاء وإخلاص القلب لله.
وعليه فالفعل هو من يحدد الالتزام بمقتضى كلمة التوحيد لا القول، ومثال ذلك إذا جاءنا مسيحي وقال: أنا سأقول: لا إله إلا الله، ولكني سأبقى كذلك على اعتقادي في عيسى إلها. فهذا ليس بمسلم، إذ إنه أثبت دون أن ينفي.
وكذا حال الملحد فهو ينفي كل الآلهة ولكنه لا يثبت الألوهية لله فهو غير مسلم.
ثالثا: إثبات الوحدانية لله لا بد أن تكون فرعا عن تصور حقيقة الإله في الإسلام، فاليهودي مثلا الذي يعتقد أنه صورة الله وشريكه، غير موحد وإن لم يقل بالتثليث أو التثنية.
والبوذي وإن آمن بواحد فليس بواحد إذ إنه صنع إلها خاصا وإن كان فردا، فالله هو ما وصف به نفسه وتسمى به من اسم. من لا يجوز مع سؤال: أين ومتى وكيف.
إذن، فلفظ الجلالة في كلمة التوحيد له دلالة شرعية عقلية خاصة عرفنا بعضها بالنقل وعرفنا بعضها بالاستقراء والعقل.
رابعا: ما ورد في لفظ الجلالة:
ما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ».
وما رواه البخاري في “الأدب المفرد” عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعْنَ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَتْ بِهِنَّ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً لَقَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». وغير ذلك من الأحاديث.
ولكن القول المقصود هنا هو قول اللسان وتصديق القلب، فقولنا: قول اللسان. يخرج المشركين، وقولنا: تصديق القلب. يخرج المشركين. ثم بعد ذلك يختلف الناس على حسب أعمالهم.
خامسا: شروط كلمة التوحيد:
– العلم النظري أو العملي:
فليس كل واحد من العامة يفهم دلالة النفي والإثبات، ولكن على الأقل أن يطبق معناها حقيقة، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].
– اليقين الذي ليس معه شك في الوحدانية:
قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ لَا يَلْقَى اللهُ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». [رواه مسلم].
– التسليم والانقياد:
قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]. ولا يعني هذا أن من يعصي ولا ينقاد لأوامر الشرع أنه كفر، فقد يفعل الإنسان المحرم معصية، ولكنه لا يجحد ولا يستطيل به على المشرع، فهو مسلم منقاد للحكم مقصر في الالتزام بمقتضاه.
– الإخلاص:
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ» [رواه البخاري]. سادسًا: علم المشركين بمقتضاها:
في الأعم الأغلب عرف المشركون ذلك وعلموا ما عليهم إن قالوها، ولعلهم كانوا أكثر من بعضنا وعيا بمقتضاها، قال الله واصفا قولهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5].
وكذلك ردهم على النبي حين دعاهم فقالوا: واللات لا نترك دين آبائنا.
فعلموا أنه لا بد من النفي أولا والإثبات ثانيا.
وعليه فالشهادة ليست كلمة وإنما قول يتبعه عمل.
ومن قال الكلمة فله أحوال:
١- قالها والتزم بمقتضاها ولم يأتِ بما يناقضها فهذا ناجٍ.
٢- قالها ولم يلتزم بمقتضاها ولم يأتِ بما يناقضها، فهذا ناجٍ جملة ومؤاخذ بما قصّر فيه.
٣- قالها ولم يلتزم بمقتضاها وأتى بما يناقضها، فهذا كافر وإن ادعى غير ذلك.
٤- قالها والتزم بمقتضاها وأتى بما يناقضها، فهذا إن لم يكن له عذر من جهل أو تأويل فهو على خطر عظيم.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر