(ع14) دار حديث بيني وبين أحد الإخوة في جواز القول بأن صنائع الإنسان كالأبنية وخلافه هي من صنع الله حيث إن الله عز وجل خلق كل شيء {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البقرة: 31] فبما أن الإنسان علمه الله العلم الذي يستطيع أن يبني ويصنع هذه الأشياء فالأصل أن يرد إلى الله عز وجل، فما قول سيادتكم في ذلك؟

اختلفت آراء المذاهب الكلامية في مسألة خلق الأفعال، وخلاصتها:
المذهب الأول: الجهمية والجبرية: ومفاده أن الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل، بل هو مجبور بما يخلقه الله من الأفعال مثل ما يخلقه في سائر الجمادات، ونسبة الفعل إليه إنما هو بطريق المجاز كما يقال: جرى الماء، وطلعت الشمس وتغيَّمت السماء.. إلى غير ذلك، واستدلوا بظواهر آيات منها: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] و{اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر: 62].
المذهب الثاني: هو مذهب المعتزلة: ومفاده أنه هناك فرق بين أفعال الله وأفعال العباد، فأفعال الله بالنسبة لنا جبرية كشروق الشمس من المشرق، وكالحياة والموت، أما أفعال العباد فهي اختيارية وتخضع لفعل الإنسان واختياره، واستدلوا بأدلة منها: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] ، وكذلك النصوص التي تنسب العمل والكسب للإنسان: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
المذهب الثالث: هو مذهب الأشعرية: وهو مذهب حاول التوسط بين المعتزلة والجهمية، فقال بنظرية الكسب، ومفادها باختصار أن الإنسان هو خالق أفعاله بقدرة يحدثها الله فيه عندما يختار هذا الفعل أو ذاك، فالقدرة من الله والكسب من العبد، وكانت محاولة منهم الجمع بين الإرادتين وبين الأدلة التي تنسب الخلق والفعل لله والأخرى التي تحاسب الإنسان على فعله. والحق أنها نظرية خفية، وفي نهايتها تنتهي عند الجبر.
والصواب الذي نراه: أ
ن الله خلق أسبابًا للفعل، فهو الخالق بهذا المعنى، ومن أخذ هذه الأسباب واستعملها فهو مستفيد من هذه الأسباب وليس منشئًا لها، ومع ذلك فما ينتج عن تلك الأسباب هي من فعل المستعمل الخالص، فالسكين من الأسباب، والمستعمل يقرر كيف يستعملها، ولا يجبره الله على فعل معين.
وبالعود للسؤال: فمن بنى عمارة فهو الباني، وإن استفاد بالأسباب التي أوجدها الله، ولا يقال: إن الله بنى هذا البيت، أو هذه العمارة ؛ لأن فعل البناء فعل خاص لا يكتفى فيه بوجود المادة والأسباب، وإلا لما صار البناء مجهودا وبذلا .
وعليه: فالنسبة إلى الله نسبة إيجاد، والنسبة للمخلوق نسبة إحداث، فمن قال: الله هو الصانع، بمعنى المحدث فقد تعدى، ومن قال: إن الإنسان هو الصانع بمعنى الموجِد، فقد تعدى.
المفتي: د خالد نصر