(ع2) الإنسان روح وجسد، فهل باقي المخلوقات كالحيوانات والأسماك والطيور لها روح أيضا؟ وما الدليل الشرعي لذلك؟

خلق الله الإنسان وكرمه ونفخ فيه من روحه، وجعل له حقيقتين الروح والجسد، وهو حي ما بقيت الروح، أما إذا خرجت فيفسد الجسد، وهذا القدر اتفق عليه أهل الأديان والفلاسفة وغيرهم.
أما الحيوان فنستطيع أن نقول فيه أيضا: إنه روح وجسد، وأنه يموت لمفارقة الروح للجسد؛ قال الله تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]. والمثلية تقتضي المشابهة، وإن لم تكن في كل شيء؛ قال السيوطي معلقا على ذلك في “الإكليل” : (استدل بهذه الآية على مسألة أخرى، أخرج أبو الشيخ عن أنس أنه سئل: من يقبض أرواح البهائم؟ قال: ملك الموت. فبلغ الحسن فقال: صدق، وإن ذلك في كتاب الله. ثم تلا هذه الآية).
كما أننا نستشعر ذلك من حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير وضعفه البعض، وفيه أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها». وهذا يدل على أن للبعوض أرواحا.
وقد ورد أيضا في السنة أن الله يقتص للحيوان من الحيوان كما يفعل مع الإنسان؛ فقد روى عبد الرزاق في المصنف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء [التي لا قرون لها] من القرناء. قال: ثم يقول: كوني ترابا. فلذلك يقول الكافر: { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } [النبأ: 40].
وقد ذكر الإمام السيوطي أن ملائكة الموت أربعة كل واحد مختص بقبض جنس من الأرواح؛ فواحد للإنسان وواحد للجن وواحد للشياطين وواحد للحيوان والطير والسمك، ولَم يذكر السيوطي دليله إلا أن كثيرًا من المفسرين كابن عجيبة في “البحر المديد” والألوسي في “روح المعاني” ذهبوا إلى أن ملك الموت الموكل بقبض الأرواح واحد ويقبض أرواح الإنس والجن والحيوان.
وقد وردت أحاديث تدل أن للطير روحا، منها:
عند مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا».
وعند الطبراني في الكبير عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَضَعُوا حَمَامَةً يَرْمُونَهَا فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخَذَ الرُّوحُ غَرَضًا».
وعند أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ,قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ , فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبَلِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ الله مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
وكذلك قول ابن عباس للمصور: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ. رواه مسلم.
وفي معجزات سيدنا عيسى عليه السلام: { فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ} [آل عمران: 49].
والخلاصة أن للحيوان أرواحا مثل أرواحنا.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر