(ع21) أرجو أن تبين المسألة الشرعية في الإشكالية التالية والتي تحدث شرخا كبيرًا بين أهل السنة والجماعة وخصوصا في بلاد الشام: فبعد أسابيع من نزيف دماء إخواننا في غزة، وعدم مشاركة جماعة “حزب الله” إلى هذا الوقت بالقدر الذي يوازي التعريف الذي عرّفوا به أنفسهم بأنهم جنود الأقصى ومحررو فلسطين، أو يوازي قدر المعركة والدماءِ التي نزفت والمجازر التي ارتكبت، إلا أن هذه المشاركة باتت الآن موضوعة على الطاولة أكثر من أي وقت مضى. وينبعث سؤال بسبب ذلك حول الموقف من مشاركتهم من جهة الفرح والاحتفاء أو السكوت أو المعارضة. ولا شك أن هذا السؤال من أكثر الأسئلة المسببة للاختلاف بين طائفة من المهتمين بقضايا الأمة الإسلامية عامة وبقضية فلسطين وسوريا خاصة، فبعض إخواننا في فلسطين يقولون: الأعداء يضربوننا، ونعيش إبادة حقيقية على مرأى العالم، والأمة خذلتنا، ولم يقف معنا إلا هذه الجماعات الشيعية، أفتستكثرون علينا الفرح بما يخفف عنا لمجرد كونهم من الشيعة؟ وإخواننا في سوريا يقولون: نحن مع قضيتكم فهي قضية المسلمين جميعًا، ونحن أكثر من يشعر بمأساتكم لأننا نعيش مثلها، ولكن: ألا ترون مقدار الجرائم والمجازر التي ارتكبتها هذه الجماعة في حق أطفالنا ونسائنا والتي لا تقل عن مستوى جرائم قوات الاحتلال بل تزيد؟ ألا تتقون الله في دمائنا وحقوقنا بتجنب الثناء على قتلة أطفالنا ونسائنا كما نتقي الله في دمائكم وحقوقكم؟ فما هو الرأي الشرعي في هذه المسألة؟

أولا: لا بد أن نفرق بين أمرين: الموالاة، والفرح والسرور بشيء.
فليس كل من يفرحنا نواليه؛ فقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بنصر الروم ولم يوالوهم، بل تمنوا نصرهم ودعوا به.
وكذلك ليس كل من نواليه يفرحنا، فالمسلم يوالي المسلم وقد يقع منه له إيذاء، وليس الإيذاء بموجب القطيعة أو البراءة، وهذا عينه ما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة، فقد أحزن فعله النبي ولم يقبل أن يتبرأ منه عمر.
وهذا ميزان نزن به الأمور.
ثانيا: الموقف من التشيع بصفة عامة هو أن الشيعة في العموم من أهل القبلة، وإن كانوا على خلاف ما نعتقده سواء في بعض مسائل الأصول كعصمة الأئمة، أو الكثير من مسائل الفروع كالصلاة والأذان والأوقات ورمضان والجمع والمتعة وغيرها، أو الكثير من مسائل السياسة الشرعية كولاية الفقيه، ونزول المهدي وغيرها.
ومع ذلك فالحكم العام قد يختلف إذا انكشف ستر مستور الحال، أو جهالة مجهول الحال، وتبين أنه ممن يقدح في عصمة القرآن، أو أنه يكفر الصحابة، أو يقع في أمهات المؤمنين، فهؤلاء يكونون في حكم المكذب لخبر الصادق، وهو ما يكفر فاعله، وإن كان هذا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
ثالثا: الناس في قضايا الأمة عامة لا يجوز أن نحكم عليهم حكما واحدا لأن قضايا الأمة متعددة متنوعة، لا سيما في جزئها الاجتهادي، فمثلا ناصر الزبير وطلحة قضايا الأمة الكلية ولكنهم حاربوا عليًّا في الجمل، فنقبل منهم جهادهم ونرد عليهم مخالفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك معاوية نحمد له جهاده وتثبيته دولة الإسلام في الشام وكتابته للوحي، وصلته للأمة ونرد عليه حربه لسيدنا علي في صفين، فقد كانت حربا ظالمة قتل فيها عدد كبير من الصحابة والتابعين.
وبنو أمية نحمد لهم الفتوح والخير الوفير الذي جاءوا به للإسلام، ونرد عليهم تفرقتهم بين العرب والعجم وظلم بعض ولاتهم.
حتى دولة الظلمة والسواد؛ دولة بني العباس فيحمد لها تثبيت دولة الإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، ونرد عليها فسادها وظلمها وتسلط العجم فيها من الفرس والأتراك والديلم والأفغان وغيرهم على رقاب العباد، ومثل ذلك يقال في الأتراك والأندلسيين والمغاربة؛ فيهم ما يفرح وفيهم ما يذم.
ولا يجب أن نقع في خطأ التعميم، كمن يبكي مثلا على الخلافة الإسلامية مع ما كان فيها من نقائص في كثير من عصورها، من ظلم واستعباد وتولية للفاسدين والضعفاء والأطفال وغيرهم.
رابعا: حزب الله حركة شيعية دينية وسياسية، تؤمن بولاية الفقيه، وليس لها ولاء لقضايا الأمة جمعاء، بل ولاؤها لقضايا الفقيه الولي، وهي بهذا تشارك المسلمين أصل الإيمان وتفارقهم في مشروعهم الحضاري. والحكم عليها يكون بهذين المعيارين.
فهي ليست القريب الذي يرجى نفعه، وليست في ذات الوقت عدوًّا خالص العداوة كالصهيونية مثلا.
وعلى ذلك فقد نحمدهم في موطن، ونذمهم في آخر، وهذا يغلب على باب السياسة الشرعية.
ومن ذلك مثلا ما كان من الباشاوات الثلاثة في الحرب العالمية الأولى، فقد كرهنا ظلمهم وعصبيتهم التركية، وقهرهم لمواطنيهم من العرب والعجم، ومع ذلك لا بد أن نفرح بأي انتصار وقع لهم ضد أعدائهم من الروس واليونان والأرمن وغيرهم.
فإذا حارب حزب الله الصهاينة دعونا لهم في هذا الباب، وإذا حاربوا إخواننا في سوريا أو غيرها دعونا عليهم به وبغيره.
هذا هو المعيار المعتدل.
قال تعالى: ﴿‌وَلَا ‌يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].
المفتي: د خالد نصر