أقول وبالله العون:
أولا: لا بد أن نعلم أن هذه المسألة من المسائل الغيبية التي يكثر فيها التخمين والاختلاف، وهذا النوع من المسائل كما هو حال الصفات يحسن بالمسلم ألا يتوسع فيه لأن اليقين والقطع فيه قليل، وأيضًا لأنه لا يترتب عليه عمل في الدنيا، وإن كان البعض يعتبره من صحة الاعتقاد.
ثانيا: أنا وإن كان مذهبي في مثل هذه الأمور هو مذهب عموم أهل السنة القائل بالتأويل فإني أزعم أن معظم مفردات الموضوع لا يترتب عليها شيء بل إني أدعو ألا يخرج هذا الباب عن باب التفسير كبقية المسائل في القرآن والسنة وألا نعتبرها من مسائل الاعتقاد؛ إذ ماذا يترتب علينا ويتوجب إن عرفنا أن الكرسي حقيقة أو مجاز وأن العرش حقيقة أو مجاز؟!
ثالثا: اختلف العلماء في هذا الأمر على أقوال:
الأول: أن كل ما يخص الكرسي والعرش وغيرها مما يثبت الحيّز والجهة إنما هو من قبيل المجاز، وأنه يخرج على مقتضى معارف البشر؛ إذ لكل ملك عرش وكرسي فهو من باب تقريب المفاهيم، ودلالته الحقيقية هي السيطرة والقهر، فذكر العرش يعني السلطان، والكرسي يعني التمكن: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] يعني سلطانه وقهره، والذي يريد الاستزادة فليراجع تفسير السيد الأجل الفخر الرازي في تفسير: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
الثاني: أن هناك عرشا، ولكنه ليس كما نتصور بل هو فلك من الأفلاك، فالسماوات سبعة أفلاك، والكرسي الثامن، والعرش التاسع، وهو ما يعبر عنه بالأفلاك التسعة، وعلى هذا فالعرش مستوٍ لا أركان له.
الثالث: يقول: إن العرش مخلوق حقيقي، وله أركان وقوائم. ويستدلون لذلك بظاهر القرآن والحديث:
أما القرآن فيستدلون بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7]. أي الملائكة تحمل قوائمه.
والحديث الذي يتحدث عن يوم القيام والصعق وفيه كما قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ» [متفق عليه] فهذا الحديث يدل بظاهره على أن العرش مخلوق حقيقي وأن له قوائم.
رابعا: معنى العرش في اللغة هو السرير الذي يجلس عليه الملك، قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41]، {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42].
فإذا تصورنا الحال من الجلوس الذي يستدعي قيام وجهة وإحاطة المجلوس عليه بالجالس مع كون المجلوس عليه أقوى من الجالس وإلا انكسر ومال، أقول: إذا تصورنا كل هذا مع معرفتنا لقدرة الله المطلقة فلا يسعنا إلا أن ننفي الصورة اللغوية الظاهرة ونذهب إلى التأويل.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
أولا: لا بد أن نعلم أن هذه المسألة من المسائل الغيبية التي يكثر فيها التخمين والاختلاف، وهذا النوع من المسائل كما هو حال الصفات يحسن بالمسلم ألا يتوسع فيه لأن اليقين والقطع فيه قليل، وأيضًا لأنه لا يترتب عليه عمل في الدنيا، وإن كان البعض يعتبره من صحة الاعتقاد.
ثانيا: أنا وإن كان مذهبي في مثل هذه الأمور هو مذهب عموم أهل السنة القائل بالتأويل فإني أزعم أن معظم مفردات الموضوع لا يترتب عليها شيء بل إني أدعو ألا يخرج هذا الباب عن باب التفسير كبقية المسائل في القرآن والسنة وألا نعتبرها من مسائل الاعتقاد؛ إذ ماذا يترتب علينا ويتوجب إن عرفنا أن الكرسي حقيقة أو مجاز وأن العرش حقيقة أو مجاز؟!
ثالثا: اختلف العلماء في هذا الأمر على أقوال:
الأول: أن كل ما يخص الكرسي والعرش وغيرها مما يثبت الحيّز والجهة إنما هو من قبيل المجاز، وأنه يخرج على مقتضى معارف البشر؛ إذ لكل ملك عرش وكرسي فهو من باب تقريب المفاهيم، ودلالته الحقيقية هي السيطرة والقهر، فذكر العرش يعني السلطان، والكرسي يعني التمكن: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] يعني سلطانه وقهره، والذي يريد الاستزادة فليراجع تفسير السيد الأجل الفخر الرازي في تفسير: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
الثاني: أن هناك عرشا، ولكنه ليس كما نتصور بل هو فلك من الأفلاك، فالسماوات سبعة أفلاك، والكرسي الثامن، والعرش التاسع، وهو ما يعبر عنه بالأفلاك التسعة، وعلى هذا فالعرش مستوٍ لا أركان له.
الثالث: يقول: إن العرش مخلوق حقيقي، وله أركان وقوائم. ويستدلون لذلك بظاهر القرآن والحديث:
أما القرآن فيستدلون بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7]. أي الملائكة تحمل قوائمه.
والحديث الذي يتحدث عن يوم القيام والصعق وفيه كما قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ» [متفق عليه] فهذا الحديث يدل بظاهره على أن العرش مخلوق حقيقي وأن له قوائم.
رابعا: معنى العرش في اللغة هو السرير الذي يجلس عليه الملك، قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41]، {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42].
فإذا تصورنا الحال من الجلوس الذي يستدعي قيام وجهة وإحاطة المجلوس عليه بالجالس مع كون المجلوس عليه أقوى من الجالس وإلا انكسر ومال، أقول: إذا تصورنا كل هذا مع معرفتنا لقدرة الله المطلقة فلا يسعنا إلا أن ننفي الصورة اللغوية الظاهرة ونذهب إلى التأويل.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر