(ع8) ما حكم الاحتفال بعيد الميلاد وعيد رأس السنة وتهنئة الآخرين بهذين العيدين؟

أولا: الاحتفال بعيد الميلاد وليلة رأس السنة على ما يعتقده الإخوة المسيحيون لا يجوز شرعا، وذلك لأنها مناسبة دينية تقدس دينا نُسِخَ بالدِّين الإسلامي، ولا يجوز للمسلم أن يحتفل بأي عيد له خلفية دينية غير أعياد المسلمين؛ قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1-2]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. والاحتفاء والاحتفال بالأعياد الدينية للطوائف الأخرى ولاية، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة، وقد روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: «نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ».
ثانيا: الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي هو أمر مستحب لما فيه من تذكر نعمة الله على الإنسان بالإيجاد، على أن يكون الاحتفال خاليًا من المحرمات كالاختلاط المحرم وكشف العورات ونحو ذلك مما لا يجوز شرعًا.
ويستدل لذلك بقوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]. وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». فأشار بذلك إلى المعنى الذي يقتضي الحكم أن يوم مولد الإنسان هو يوم نعمة توجب الشكر عليها. والحديث بلفظه أشار إلى جواز الاحتفال بأيام النعم كلها، فيوم المولد ويوم نزول الوحي والبعثة الشريفة نعمتان توجبان الشكر في ذلك اليوم، ويستأنس لإظهار الفرح بكل نعمة من باب شكر الله تعالى عليها بعموم قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
ولا يخفى ما في المناسبة من إدخال السرور على الحضور وذلك من الأمور المستحبة شرعًا، فقد ورد عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «تُدْخِلُ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمُهُ خُبْزًا».
وإذا اندرج الاحتفال بتلك المناسبات الخاصة تحت أصل شرعي كشكر النعمة والتحدث بها وتذكر أيام الله، وإدخال السرور على المؤمن، فقد انسحب حكم ذلك الأصل عليها، وخرج عن أن يكون بدعة مذمومة على ما قرره الفقهاء والأصوليون وجرى عليه عمل الأمة سلفا وخلفا في مفهوم البدعة.
ثالثا: حكم التهنئة برأس السنة:
انقسم العلماء في هذا؛ فالأكثرون على المنع؛ لأن التهنئة نوع من الاعتراف والإقرار بالمحتَفَل به، وقد ذكرنا أسباب منع الاحتفال في (أولا).
وذهب البعض إلى أن التهنئة جائزة للآتي:
١- أنها من البر الجائز وقد قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8].
٢- أن الإسلام أباح للرجل ما هو أشد من التهنئة في الفعل وهو الزواج من الكتابية، فكيف يجيز له الزواج ويمنعه من أسباب البر؟! بل إن العلماء قالوا: لا يجوز له أن يمنعها من الذهاب إلى الكنيسة متى شاءت. مع ما يقع هناك من المخالفات لتعاليم الإسلام، فالقياس عليه أن تجوز التهنئة لأنها أقل في المعنى.
٣- إعمال قاعدة المعاملة بالمثل في الشريعة الإسلامية، والمعاملة بالمثل هي مقابلة الأفراد أو الجماعات في التصرفات الصادرة تجاههم من الآخرين بتصرفات مماثلة أو مشابهة لها في حدود أحكام الشرع، فإن كان القوم ممن يهنئوننا في أعيادنا ويظهرون لنا المودة رددنا لهم ذلك بالمثل، وإلا فلا.
٤- عموم قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. وكلمة (تحية) هنا منكرة تفيد كل تحية، والذي يريد التخصيص يفتقر إلى الدليل.
٥- أن من شأن التحية إنزال السلام في المجتمع ونشر روح المودة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلَامَ». وقال عن حلف الفضول، وقد كان في الجاهلية بين أفراد من المشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترك فيه وقال عنه بعد البعثة: «لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفًا فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ». ولم يقل: هؤلاء مشركون لا يجب أن أواليهم كما يقول منكرو التهنئة.
وكذلك أبرم النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة المدينة، وهي أول دستور اجتماعي يعطي حقوقا متساوية لكل من يسكن في المدينة، وكان أطرافه يهودَ ومشركين بالإضافة إلى المسلمين.
وعليه، فلا حرج من التهنئة.
المفتي: د خالد نصر