(خ4) هل كان لسيدنا نوح ذرية غير ابنه الذي هلك؟ و هل كان من نسله أنبياء؟

أولا: المعروف بين أهل السير والتاريخ أن سيدنا نوحًا كان له أربعة أبناء؛ ثلاثة منهم ركبوا معه السفينة، وهم حام وسام ويافث، والرابع هو المذكور في سورة هود فلم يؤمن ولم يركب السفينة فهلك مع الهالكين.
ويدل على ذلك ما رواه الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: ﴿‌وَجَعَلْنَا ‌ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات: 77] قال: حام، وسام، ويافث. [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب].
وهناك رواية أخرى منقولة عن ابن مردويه أن أبناء نوح عليه السلام الذين نجوا أربعة هم الثلاثة المذكورون ورابعهم هو كوش، وهذه الرواية نقلها ابن الملقن والسيوطي والشوكاني كلهم نقلا عن ابن مردويه.
ثانيا: ذهب جمهور المفسرين إلى أن الطوفان الذي وقع في عهد سيدنا نوح كان طوفانًا عامًّا شمل جميع الأرض، ونتج عنه هلاك جميع من كانوا على الأرض في هذه الفترة إلا من ركب السفينة مع سيدنا نوح ، واستدلوا بظاهر الآيات ومنها:
﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ‌ثُمَّ ‌أَغْرَقْنَا ‌بَعْدُ ‌الْبَاقِينَ﴾ [الشعراء: 119-120].
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ‌نَادَانَا ‌نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)﴾ [الصافات: 75-82].
ولذا نجد ابن كثير مثلا يقول: (السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض)
وهناك من يرى أن هذا الفيضان كان محليًّا في منطقة قوم سيدنا نوح ووقع على سبيل العذاب كما وقع لأقوام آخرين مثل عاد وثمود وقوم لوط، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿‌فَكَذَّبُوهُ ‌فَنَجَّيْنَاهُ ‌وَمَنْ ‌مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [يونس: 73]، فقوله: (الذين كذبوا بآياتنا) يدل على تخصيص العقوبة بمن وصلته دعوة سيدنا نوح فكذبها، ولا دليل على أن سيدنا نوحًا قد طاف الأرض جميعًا بدعوته، أو أنه لم يكن هناك بشر آخرون غير قومه.
ثالثا: ظاهر النص القرآني يدل على أن الأنبياء الذين جاءوا من بعد سيدنا نوح هم من مطلق القوم الذين نجوا سواء كانوا من ذرية سيدنا نوح أو من غير ذريته.
قال تعالى : ﴿‌ذُرِّيَّةَ ‌مَنْ ‌حَمَلْنَا ‌مَعَ ‌نُوحٍ ‌إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3]، وقال : ﴿‌أُولَئِكَ ‌الَّذِينَ ‌أَنْعَمَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِمْ ‌مِنَ ‌النَّبِيِّينَ ‌مِنْ ‌ذُرِّيَّةِ ‌آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58]. وكلتاهما فيها عموم في كل من نجا.
وذهب البعض إلى أن الأنبياء وغيرهم بعد سيدنا نوح كلهم يرجع إلى أبنائه الثلاثة، وأن كل من نجا مع سيدنا نوح لم يعقب ولدًا، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿‌وَجَعَلْنَا ‌ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات: 77].
قال ابن عباس: “لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه”.
وقال قتادة : “الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام”.
وقال ابن عاشور : (ضمير الفصل في قوله : ﴿هُمُ الْبَاقِينَ﴾ للحصر، أي: لم يبق أحد من الناس إلا من نجاه الله مع نوح في السفينة من ذريته، ثم من تناسل منهم، فلم يبق من أبناء آدم غير ذرية نوح، فجميع الأمم من ذرية أولاد نوح الثلاثة، وظاهر هذا أن من آمن مع نوح غير أبنائه لم يكن لهم نسل).
وأخيرًا أود أن أقول:
١- أنه لا دليل قطعي على عموم الطوفان جميع الأرض .
٢- أنه لا دليل قطعي على هلاك كل من كان يعيش في الأرض في هذه الفترة .
٣- أنه لا دليل قطعي على أن أهل الأرض الآن هم فقط من ذرية سيدنا نوح فقط من أبنائه الناجين.
المفتي: د خالد نصر